نضارتها وعطائها، واشتدّ تعلّق صاحبها بها، لأنه كبر من ناحية، ولأن له ذرية ضعفاء من ناحية أخرى وبهذه اللمسات النفسية، يكون تصوير المثل قد بلغ ذروته في رسم المشاهد المحسوسة، والمشاعر الإنسانية الخفية، لكي يهيئ ذلك لاستقبال مشهد التدمير المفاجئ الذي يتجاوز تأثيره الحواس الظاهرة إلى أعماق النفوس، وهو مشهد سريع خاطف، مصوّر بتعاقب الفاءات العاطفة، لتحقيق التأثير السريع والعميق.
ويعتبر الإيمان باليوم الآخر، من الروابط الأساسية في الأمثال المصوّرة، والصورة القرآنية عموما لأنه من أركان العقيدة الإسلامية. لذلك لا تخلو صورة قرآنية منه إمّا بالتصريح بذكره أو بالإيحاء به من خلال التصوير.
وهناك مجموعة ثامنة من الأمثال المصورة، تدور حول اليوم الآخر، للإقناع به، وإيراد الأدلة والبراهين عليه. كقوله تعالى: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يس: ٧٨ - ٧٩.
فالصورة في هذا المثل، توضّح أنّ إعادة الحياة، مثل إيجادها من العدم أول مرة، والذي أوجدها من العدم، قادر على إعادتها من جديد، فليس هناك غرابة في ذلك، بل إن الإعادة بالمنطق البشري أهون من الإيجاد والتكوين من العدم، ولله المثل الأعلى.
وهذا الدليل الواضح هو الذي سار عليه المثل القرآني، في الإقناع بفكرة اليوم الآخر يقول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الروم: ٢٧.
فالخلق الأول إنشاء وابتكار على غير مثال موجود، أما بعث الحياة من جديد، فإعادة لما كان موجودا. وهذا التصوير، هو لمجرد تقريب فكرة البعث بعد الموت من الأذهان، أمّا بالنسبة لله سبحانه فإنّ الإيجاد والإعادة سواء، لأنّ الأمرين مرتبطان بإرادة المشيئة «كن فيكون».
وتتواصل صور اليوم الآخر من خلال الأمثال، لتقريبه من الأذهان يقول الله تعالى: