ويكثر في المثل الأخير أنواع النعيم فالأنهار أنواع من ماء ولبن وخمر وعسل، وكل نوع خالص من شوائب الدنيا، وما يعتوره من عوامل التغير والتحوّل. للإيحاء بأن
العالم الآخر.
عالم مختلف عن عالم الدنيا في جوهر نعيمه وإن تشابهت أوصافه الحسية به، أما خواص تركيبه، وطعومه فمختلفة عما هو مألوف في الدنيا، والتنوّع في الثمار كالتنوّع في الأنهار سواء بسواء.
ويلاحظ التناسق البديع في التصوير في أنهار الشراب، من ماء وخمر، ولبن، وعسل، واقتضى التنسيق والتنظيم في الصورة أن يكون مشهد العذاب كذلك يعتمد على الماء الحميم الذي يقطّع الأمعاء، لتتضح الفوارق بين ماء وماء، ونعيم وعذاب، وإيمان وكفر وقد استغرب المشركون، حين نزل قوله تعالى في الملائكة الذين يحرسون النار: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ المدثر: ٣٠، وأثاروا الشبهات حول هذا العدد القليل في حراسة النار أمام ملايين البشر. فرد الله عليهم هذه الشبهات موضحا أن هؤلاء الملائكة لا يعرف ماهيتهم إلا الله، ولا يعرف قدرتهم إلا الله، والعدد المثير للجدل، هو من قبيل الرموز فكل عدد سيثير الجدل أيضا يقول الله تعالى: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً، وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ المدثر: ٣١.
وقولهم: ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يوحي بأن الله قد ضرب لهم المثل، أو أنهم اعتبروا الحديث عن ملائكة النار مثلا لغرابته وندرته. فكان الرد عليهم بأن الله حدد طريق الهدى، وطريق الضلال، والحديث عن الملائكة وجنود الله، هو من الغيب المستور، البعيد عن إدراك البشر المحدود، فلا حاجة للخوض فيه.
والمجموعة الأخيرة هي الأمثال القصصية، التي نصّ القرآن الكريم على أنها أمثال، وهي مترابطة بالروابط الفكرية والتصويرية والتعبيرية، لتمييز هذه الأمثال عن غيرها، وإعطائها الطابع الخاص بها، ولكنها أيضا تدور بعلاقاتها وروابطها، حول حركة الأمثال القرآنية، وتتحرك باتجاهها في تحقيق الغرض الديني من التصوير.