والأمثال القصصية في القرآن الكريم لا تميل إلى التفصيلات المملّة، وإنما تركّز على موضوعها الديني في التصوير الفني، والبناء القصصي، فلا نجد فيها أسماء الشخصيات والأماكن كما تعودنا في القصة، كأنها في تخطّيها للتصريح بالزمان والمكان وأسماء الأشخاص، تهدف إلى تأصيل النظرة الشمولية للفكرة الدينية، حتى يستوعب المثل المصور كل الأزمنة والأمكنة والأشخاص في إطاره المرسوم، وإذا ذكر المكان أحيانا فإنه يذكر مبهما منكّرا، لإفادة الشمول والعموم، باعتباره وعاء للحدث الجاري، وليس مقصودا لذاته، ولكن هذه الأمثال القصصية تمتاز بالصدق الواقعي، والبعد عن التصوير الأسطوري أو الخرافي.
وتعتمد التنويع في تصوير الشخصيات، فقد تتناول شخصية واحدة، لإبراز معالمها وأفعالها كمثل الذي أتاه الله آياته فانسلخ منها، وقد تتناول شخصيتين متناقضتين، لإظهار الفكرة الدينية من خلال التناقض بين الشخصيتين في السلوك والتفكير، كمثل الحوار بين الكافر صاحب الجنتين، والمؤمن. وقد يتناول المثل سلوك طبقة اجتماعية كاملة، يظهر فكرها وسلوكها وبعدها عن منهج الله، كمثل أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون.
وقد يضرب المثل بامرأتين في بيئتين مختلفتين، كمثل امرأة نوح وامرأة لوط الكافرتين في بيئة متدينة. أو كمثل امرأتين صالحتين هما امرأة فرعون في بيئة كافرة، ومريم ابنة عمران كنموذج للمرأة الصالحة الصابرة.
يقول الله تعالى في مثل الذي انسلخ من آيات الله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ، وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ، وَاتَّبَعَ هَواهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ الأعراف: ١٧٥ - ١٧٧.
والقصة المضروبة مثلا هنا، ليس فيها تحديد للزمان ولا للمكان، وليس فيها ذكر لاسم الشخص المذكور، لأن المثل يركّز على العبرة والعظة من القصة، ولا يحفل بمثل هذه الجزئيات، التي لا تخدم الغرض الديني من التصوير فالمثل يركّز على تصوير سلوك هذا الشخص، وأحوال نفسه، واتباعه هوى النفس وشهواتها، وسيره وراء خطوات الشيطان، وخلوده إلى الأرض الفانية، وتعلّقه بالدنيا الزائلة.