ويتّضح في هذا المشهد فكر هذا الرجل الغني وسلوكه، ونفسيته، فهو يعتز بماله وأعوانه، ويخدش مشاعر صاحبه، ويجرح عواطفه، ويتطاول عليه بأمواله وأعوانه، ويمتد تطاوله على صاحبه بقوله ولسانه، ليستعرض أمامه جنته، ويزهو بها مفاخرا بثمارها وأشجارها وجمالها، حتى وصل إلى درجة التطاول على ربّه المنعم عليه بهاتين الجنتين، فنطق بكلمة سفيهة تعبر عن جهله وسوء تصوره للحياة ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ثم استمرّ في استعلائه على صاحبه، وتدرّج إلى النطق بكلمة الكفر صراحة وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ولم يتوقف عند هذا الحدّ المخزي بل ازداد غرورا بنفسه وماله قائلا: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً.
ثم يبدأ المشهد الثالث بتصوير موقف المؤمن، من طغيان هذا الرجل وكفره:
فالمؤمن بدأ بتذكيره أولا بالله سبحانه، الذي خلقه في أطوار مختلفة حتى أصبح رجلا سويا، وهذا التذكير بأصله المهين، وأطوار الضعف التي مرّ بها، يقصد بها التخفيف من غروره وبطره، وردّه إلى الحق والإيمان، كما أنّ عرض أطوار نموّه من تراب ثم من نطفة حتى أصبح رجلا يتناسق تماما، مع عرض أطوار نمو الزروع والثمار، والتي يدركها صاحبه لأنها مشاهد محسوسة يراها أمامه، وهذا العرض لأطوار الحياة، في الإنسان والزروع، يوحي بقدرة الله سبحانه في كل طور من الأطوار، حتى تكتمل استواء وعطاء في نهاية المطاف.
وذكر «التراب» في السياق يوحي بأصل الجنتين قبل استوائهما خضرة وجمالا وثمارا، كما يوحي أيضا بالنهاية من التمثيل حين عادتا أيضا ترابا بعد التدمير الذي أنزل عليهما.
ويلاحظ أن الرجل المؤمن بدأ بالرد على صاحبه، بتذكيره أولا بالله سبحانه لعله