بالرجم بالحجارة والعذاب الأليم، والرسل صابرون متفائلون يدعونهم إلى الله باستمرار على الرغم من التهديد. ثم يبدأ المشهد الثاني بمجيء رجل مؤمن من أقصى المدينة، يدعو قومه إلى الإيمان بالمرسلين، بأسلوب منطقي، وحجّة قوية، ولكن حياته تنتهي على أيديهم، كما يوحي به السياق، لتبدأ حياته الخالدة في ظل النعيم الدائم. يقول الله تعالى: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ يس: ٢٠ - ٢٧.
فالرجل المؤمن ينصح قومه بالإيمان واتباع الرسل، ويبين لهم دليلا على صدق المرسلين، وهو أنهم لا يطلبون منهم أجرا، ثم حدثهم عن إيمانه، وأسبابه، وصوّر الإيمان لهم من دواعي الفطرة، ولكنهم قتلوه كما يوحي السياق، وينتقل السياق مباشرة إلى مشهد النعيم، والرجل المؤمن يتابع حديثه عن قومه ويتمنى لو يعلمون حقيقة ما آل إليه من التكريم والغفران. وهذا الانتقال في السياق من الدنيا إلى الآخرة أسلوب متّبع في التصوير القرآني، لربط الدنيا بالآخرة في ذهن المخاطب دائما. ثم ينتهي المثل بالمشهد الثالث وفيه ترى القوم خامدين بالصيحة الواحدة دون تفصيل:
والمثل القصصي فيه حذف كثير، لتحريك الخيال ليملأ هذه الفجوات الفنية التي تدرك من سياق القصة، مثل قتلهم الرجل المؤمن، وإنزال جند من السماء لتدميرهم، وهم قوة مجهولة لم يذكر السياق صفاتهم وأدوارهم في القصة، ثم إهلاك القوم بالصيحة الواحدة، لإيقاع الرهبة في النفوس، والتحذير من تكذيب الرسل. ويربط تصوير المثل مشهد التدمير بمشهد التكذيب، لأنه نتيجة طبيعية له. وفي هذا إيحاء لكل المكذبين بالرسل أن يصيبهم ما أصاب أهل القرية من التدمير، والهلاك، فأصبحوا جثثا خامدة بلا أنفاس.
والترابط واضح بين هذا المثل، والمثل الذي قبله في نهاية التصوير في المثل، فكلاهما