فالصورة للمعركة، ترسم بكل ما فيها من مواقع وحركات حسية، ومشاعر نفسية، تتجلى في تقليل كل فريق في عين الآخر، وأثر ذلك في نفسه، وطمعه في لقائه، لإنفاذ قدر الله في إحقاق الحق، وقطع دابر الكافرين.
وتلحّ الصورة على تجسيم مشاعر المسلمين في لحظات المواجهة، بعد أن أيقنوا أنه لا بدّ منها، في مشهد حي شاخص فقد توجّهوا بالدعاء والاستغاثة، يقول تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ الأنفال: ٩، والاستغاثة توحي بشدة إحساسهم بالضعف أمام قوة قريش ذات الشوكة، هذا الإحساس الداخلي نراه مجسّما في مشهد الاستغاثة الجماعي، في ساعة المواجهة، ويعتمد التصوير على الفعل المضارع تَسْتَغِيثُونَ لاستحضار المشهد وإحيائه، وجعله حاضرا محسوسا، ثم عطف عليه بالفعل الماضي إلى الحاضر بقصد تجسيمه أمام المخاطب، وبدء عرض المشهد كما وقع بعد ذلك، وهذه طريقة القرآن التصويرية في إحياء المشاهد قبل استعراضها فقد استجاب الله استغاثتهم، وأمدهم بالملائكة، وصورة هذا المدد غيبيّة، موحية تدل على أن الله معهم، وهو الذي يدير المعركة بنفسه، وما هم إلا ستار لقدر الله النافذ، وكان أثر هذا المدد الغيبي هو تطمين النفوس الخائفة، وتثبيت الأقدام المضطربة في المعركة، مع تصحيح التصور والاعتقاد بأن النصر هو من عند الله وليس من سواه.
ثم تجسّم الصورة اطمئنان النفوس بعد ذلك، في مشهد شاخص يقول تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ الأنفال: ١١، وصورة النوم الغاشي للعيون، توحي بالاطمئنان بعد الفزع، ثم صورة الغيث الرّهام ينزل عليهم من السماء، توحي بتطهير أجسامهم بعد تطهير نفوسهم يقول تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ الأنفال: ١١.
فتوفّرت بذلك كل العوامل المعنوية الضرورية قبل مواجهة الأعداء، من شعور بالطمأنينة، والراحة والوعد بالدعم، وتثبيت الأقدام. وتلتقي صورة المطر الهاطل، بصورة المدد النازل، وتتحد الصورتان في دعم موقف المسلمين.