ولفظ يُغَشِّيكُمُ والنُّعاسَ وأَمَنَةً تلقي ظلا لطيفا على الصورة المرسومة للحالة النفسية للمؤمنين، وتضيء التحوّل من الفزع والخوف إلى الطمأنينة والاستقرار، وهذا التقابل بين الصورتين النفسيتين، وما بينهما من تضاد وفروق، يوضح ما يفعله الله في النفوس من تبدلات بين لحظة وأخرى وفق مشيئته سبحانه.
ويقوم الفعل المضارع يُغَشِّيكُمُ بإحياء المشهد، واستحضاره في الذهن، وكذلك فعل يُنَزِّلُ وصورة المطر الحسية، تتلاحم مع صورة الملائكة الغيبية، فتسكن النفوس لتوفّر الدعم المادي، المتمثل بوجود الماء، وتطمئن لوجود الدعم المعنوي، المتمثل في الإمداد بالملائكة، فتكون النتيجة قوة القلوب، وثبات الأقدام، وهما الشرطان الضروريان لتحقيق النصر فيما بعد.
ثم يمضي التصوير للمعركة، بعد تصوير مقدماتها يقول تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ الأنفال: ١٢.
ولا تعرض الصورة ماهية الملائكة، ولا كيفية اشتراكهم في المعركة، لأن هذا لا يهم في بيان الحقائق الدينية، ولا في تقرير النتائج، فالصورة تركّز على قوة الله التي تمدّ بهذه القوة الخفيّة ليشعر الإنسان بقوة الله الملموسة في توجيه الأحداث، وتقرير النتائج.
وتلقي صورة الملائكة في حس المؤمن الخوف من الله، والتقرب إليه، وتطبع في قلوب الكافرين الفزع من هذه القوة الخفية المشاركة في المعركة. لذلك كان تركيز التصوير على فعل الملائكة في ضرب الأعناق، وضرب كل بنان، لأن هذا هو المفيد من تصوير الأحداث.
وبعد عرض هذا المشهد للمعركة يأتي التعقيب عليه، على طريقة القرآن الكريم في التوجيه بعد التصوير لبيان المغزى يقول تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ الأنفال: ١٣.
فضرب الأعناق وضرب البنان، كان بسبب كفرهم، واتخاذهم شقا معاديا لصف الإيمان.
ثم يتحوّل التعبير لمخاطبة الكافرين مباشرة على طريقة الالتفات، للتهكم بهم، والسخرية منهم، يقول تعالى: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ الأنفال: ١٤.
فالعذاب العاجل صار مذاقا في حلوقهم، يشعرون بآلامه ومرارته، وهو قبل العذاب الآجل، في النار يوم القيامة، ثم يأتي التوجيه من خلال التصوير في سياقه الملائم، فيخاطب