وهذه الصورة الحسية في تولية الأدبار من المعركة، صورة كريهة منفّرة، يقصد بها التحذير والترذيل، وقد وردت بعد تصوير الحدث للمعركة، لينقل المسلمين من الواقعة المحدودة إلى الفكرة الدائمة في أثناء ملاقاة العدو.
ويحذّر المسلمين من الرياء، ويذكّرهم بمشاهد من معركة بدر، يقول تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ، وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا
فصورة قريش يوم بدر هي صورة البطر والرياء والمباهاة بالعدد والعدّة، وقد كانت هذه الصورة حاضرة في أذهان المسلمين، رأوها حين خرجت قريش بقوتها الضخمة لملاقاتهم، ولكن نتيجة هذه الصورة هي الهزيمة والإخفاق، وتصوير قريش على هذه الهيئة المتغطرسة، يهدف إلى تحذير المسلمين من هذه الصورة المعروفة النتيجة، وحث المسلمين على الارتباط بالله مصدر القوة والنصر.
وهذا التذكير بالله، يأتي في سياقه الملائم، بعد تصوير الحادثة الواقعة التي ظلّت حاضرة في نفوسهم وذاكرتهم من خلال التصوير القرآني لها.
ثم يتناول التصوير حقيقة غيبية للملائكة وهم يقبضون أرواح المشركين بسخرية وإذلال قال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ، وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الأنفال: ٥٠ - ٥١.
ويبدأ التصوير ب (لو) وهي حرف امتناع لامتناع، للدلالة على أن ذلك من الغيب، فتمتنع رؤية الملائكة وهم يضربون الوجوه والأدبار، لامتناع الرؤية البصرية لعالم الغيب، ثم يأتي الفعل المضارع تَرى لإحياء المشهد واستحضاره، ثم تتوالى الصورة الغيبية للملائكة