وقد جاءت الصورة تجسّم مشاعرهم في صورة حسية انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وحركة الانقلاب على الأعقاب حركة حسية، تعبر عن حركة نفسية داخلية، فقد أحس بعضهم أنه لا فائدة من الاستمرار بعد قتل الرسول أو موته، وكأن المعركة القائمة، هي بين أشخاص، وليست بين مبادئ.
فجاءت الصورة بهذه الحركة الحسية المستنكرة، لتوحي لهم بأن المعركة ليست كذلك بل هي بين الإيمان والكفر، وهي معركة مستمرة، وإن مات الأشخاص، لأنهم يرتبطون بالله الحي الذي لا يموت لذلك جاء التعقيب بقوله: وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً.
فالله غني عن العباد، وهم المحتاجون إليه، وهكذا تؤدي الصورة وظيفتها الدينية من خلال تصوير الأحداث.
وتلتقط الصورة الفنية حالة المسلمين النفسية والحسية وهم يفرون من أرض المعركة، فترسمها في مشهد حي متحرك يقول تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ آل عمران: ١٥٣.
فالمشهد هنا، يعرض حركة هزيمة المسلمين في أحد، وهم مصعدون في الجبال هربا من المعركة، ونفوسهم خائفة مضطربة، وقد جسّمت الحالة النفسية لهم في هذه الحركة الحسية، وكأننا نراهم في المشهد الآن مصعدين في الجبل، لا يلتفت أحد وراءه، والرسول يدعوهم في أسفل الجبل إلى العودة، ولكنهم لا يسمعون نداءه لشدة فزعهم أو أن حالتهم النفسية المضطربة تمنعهم من إجابة دعائه.
ويعتمد تصوير الحدث على الفعل المضارع تُصْعِدُونَ لإحياء المشهد، واستحضاره من الزمن الماضي إلى الحاضر كما أن الفعل تُصْعِدُونَ من الفعل الماضي أصعد، وهو يدل على الذهاب البعيد، بخلاف الفعل صعد.
واختيار الفعل هنا يوحي بأنهم بلغوا مكانا بعيدا في الجبل العالي هاربين من المعركة، والخيال يتابع من خلال المشهد الحي الشاخص، حركتهم المضطربة في صعود الجبل،