للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتأمل صورتهم وهم موزّعون هنا وهناك عليه بشكل يدل على الفزع والاضطراب، وما يصاحب حركة الهروب من أصوات ونظرات فزعة وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ فترتسم ظلال الخوف والفزع على الصورة، بحركاتها، وهيئاتها وخطوطها.

والعنصر البارز في هذا المشهد، هو عنصر الحركة، لأنه يلائم جوّ الهزيمة، لهذا كان الاعتماد في التصوير على الفعلين المضارعين، تصعدون- تلوون. ثم في دقة اختيار فعل تُصْعِدُونَ من الفعل أصعد، للدلالة على الصعود البعيد وليس القريب كي يتناسق التصوير مع المعنى المرصود.

وتقابل حركة الفرار، حركة الثبات في أسفل الجبل، في أرض المعركة للرسول صلى الله عليه وسلم.

وهكذا نلاحظ في تصوير مشهد الهزيمة حركة مضطربة في الجبل، وحركة ثابتة في أسفل الجبل، وخوفا وأمانا في الوقت نفسه، لتوضيح الفوارق في الطباع والحالات النفسية في مثل هذه الظروف والأوضاع.

ثم تتحوّل الصورة لرسم مشهد آخر لهؤلاء الفارين، بعد أن تابوا إلى الله وعفا عنهم، وهو مشهد مغاير للسابق، فيه الطمأنينة، والهدوء لتلك النفوس، يقول الله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ آل عمران: ١٥٤.

فالصورة إذا تجسّم النفس البشرية، في حالة خوفها وفزعها، كما رأينا في المشهد السابق، وفي حالة هدوئها واطمئنانها أيضا. كما ترى في هذا المشهد، لأن صورة النعاس الغاشي للعيون توحي بذلك.

وهناك طائفة أخرى، لا تهتم إلا بمصالحها الدنيوية، وسلامتها، فهؤلاء كانوا يرون أنهم عرّضوا أنفسهم للقتل في تلك المعركة الخاسرة برأيهم، وأكثروا الجدال، في هذا الأمر، وأخفوا حقيقة أنفسهم، فجاء القرآن الكريم وفضحهم بقوله: يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ آل عمران: ١٥٤، فهؤلاء قد امتلأت نفوسهم كراهية للحرب، لأنهم يرون أنهم عرّضوا أنفسهم للموت فيها، فجاء توضيح حقيقة الحياة والموت، وقدر الله النافذ في الآجال في صورة موحية ومؤثرة، يقول تعالى: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ آل عمران: ١٥٤.

<<  <   >  >>