للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كلمة جنود يفيد العموم والشمول، للإيحاء بالجنود الآخرين الذين انكشفوا في أثناء المعركة من اليهود والمنافقين، بالإضافة إلى التهويل والتضخيم الملحوظ في تنكير الكلمة وتقابل صورة الجنود الضخمة، صورة الملائكة الغيبية، وصورة الريح الكونية، وتتلاحم الصورتان الحسية وغير الحسية في دعم موقف المسلمين، وتدمير الكافرين.

ثم يبدأ تصوير تفصيلات المعركة بما فيها من مواقف، ومشاعر. يقول تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً الأحزاب: ١٠ - ١١.

وبعد تصوير الموقف الخارجي العام، وإحاطة المشركين بالمدينة من كل جانب، أخذ التصوير يجسّم لنا الحالات النفسية للمؤمنين، فبدأ برسم ذلك في ملامح الوجوه والعيون، في زوغان الأبصار، الدالة على شدة الخوف والفزع، وتماثل هذه الصورة الحسية البصرية، صورة أخرى للقلوب، وهي تضطرب وتخفق، وتخرج عن مستواها الطبيعي إلى مرحلة الزوغان أيضا. وتلمس الصورة أيضا حركة الأذهان، في مثل هذه المواقف وما يدور فيها من تصورات وأوهام في تقويم الحدث أو المعركة وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فالصورة هنا لا تترك جانبا من جوانب تأثير الموقف في النفوس إلا وشخّصته وأظهرته للعيان، فاجتمعت الصورة البصرية، والصورة الذهنية، والصورة النفسية، للدلالة على موقف الكرب الشديد والضيق الخانق.

وبعد هذا التفصيل، تلجأ الصورة إلى رسم الموقف العام للمسلمين تجاه الخطر الخارجي المحدق بالمدينة بصورة زلزال شديد هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً. وهو زلزال حسّي يتمثّل في تحالف المشركين مع اليهود والمنافقين، وزلزال نفسي، يتمثّل في اضطراب النفوس تجاه الموقف العام للمعركة.

وتلقى الأضواء التصويرية على مواقف المنافقين والمخذلين من داخل الصفوف، لزرع البلبلة في صفوف المسلمين، وبث الريبة في وعد الله لهم، يقول تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً الأحزاب: ١٢.

ولم يتوقف المنافقون عند حدّ الأقاويل بل راحوا يدعون إلى الانسحاب من المعركة، زيادة في إضعاف المسلمين، وتوهين عزيمتهم.

<<  <   >  >>