يقول الله تعالى: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً الأحزاب: ١٣.
وتصوير البيوت عورة مكشوفة للأعداء وفيها الأطفال والنساء، يؤثر في النفوس ويزيد في التخذيل والتثبيط، ولكن الله يكشف ما وراء ذلك من حقيقة نفوس المنافقين من حبّ للفرار من المعركة وهزيمة المسلمين.
ثم ترسم الصورة ملامح المنافقين، وتكشف عن جبنهم ونقضهم للعهد يقول تعالى:
ونلاحظ هنا صورتين متناقضتين لهم، صورة نفسية مجسمة في حركة حسية، وهي دوران العيون من شدة الخوف والفزع، ثم قورنت هذه الحركة بحركة العيون عند سكرات الموت، لرسم منتهى الفزع وذروة الخوف، واعتماد الصورة على الفعل المضارع تَدُورُ يجعلها حاضرة شاخصة، وكأننا نرى حركة العيون وهي تدور يمينا وشمالا، بحركة مثيرة للسخرية والضحك، وهي حركة مشابهة لحركة العيون عند الموت، عند ما يفقد الإنسان السيطرة على أعصابه، فيظهر ما في نفسه من خوف على
عينيه دفعة واحدة، فتدور في حركة سريعة مضحكة.
ولكنّ هؤلاء الجبناء تتغير صورتهم بانجلاء الخطر، وشعورهم بالأمان، فيبدءون بالادعاء والانتفاخ، وهنا تبرز صورة أخرى حسية تتمثل في سلاطة اللسان، وهي صورة تعتمد على الحركة أيضا بشدة وعنف. وهذه الصورة الحسية، تعبر عن الحقد والكراهية، ومرض النفوس.
وصورة أخرى للمنافقين، تعبر عن جبنهم الشديد، وهي قوله: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا الأحزاب: ٢٠.
فقد ظلّوا خائفين حتى بعد هزيمة الأحزاب، لأنهم ما زالوا لا يصدقون بهزيمة الأحزاب، فهم يرتعشون بخوف وفزع، ويا لها من صورة ساخرة مضحكة لهؤلاء الجبناء، الذين يستمر