للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فزعهم حتى بعد انجلاء الخطر.

ويتواصل تصوير المنافقين بصور عدة، زيادة في إيضاح طبيعتهم الجبانة يقول تعالى:

وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ الأحزاب: ٢٠.

وصورتهم هنا وهم قاعدون في البادية بعيدا عن المعركة، يتلقفون الأخبار، تتواصل مع الصور الأخرى لهم، وتترابط ضمن نظام العلاقات التصويرية لكشف حقيقة هذا النموذج الجبان المتحالف مع المشركين واليهود ضد المسلمين.

وترسم الصورة أثر المعركة في المؤمنين، لإظهار الفوارق بين نموذج الإيمان، ونموذج النفاق، يقول تعالى: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً الأحزاب: ٢٢.

إن هذه الصورة بما فيها من إيمان وثبات وطمأنينة وتسليم لله، تقابل صورة الجبن والخوف ودوران العيون في الأحداق في الموقف العصيب. والتقابل هنا عن طريق التضاد، يظهر الفوارق بين النموذجين، ويهدف إلى تربية الأمة بالأحداث من خلال تجسيم انفعالاتها، والتعقيب عليها بالتوجيهات الدينية الملائكة لها، وإبراز قدرة الله في الأحداث، والتأثير في نتائجها.

ثم يختم تصوير المعركة بقوله تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً الأحزاب: ٢٥.

هذه هي صورة المشركين، وهم منهزمون، يأكل الغيظ أكبادهم، لأنهم أخفقوا في تحقيق أهدافهم، ويلاحظ في التعبير إسناد الفعل «رد» إلى الله الفاعل الحقيقي، فكل ما تمّ في المعركة من بدايتها إلى نتيجتها كان بفعل الفاعل الحقيقي وهو الله، وهذا ما تبرزه الصورة وتؤكده من خلال رصد الأحداث.

أمّا حلفاء المشركين فقد حلّ بهم القتل والأسر أيضا، يقول تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً الأحزاب: ٢٦.

فالعنصر البارز في تصوير الأحداث هو المعنى الديني، فهو المحور الذي ينطلق منه تصوير الحدث، وهذه سمة بارزة في تصوير الحوادث الواقعية في القرآن الكريم، لخصوصية

<<  <   >  >>