فالصورة القرآنية لا تنفك عن غرضها الديني على الرغم من أنها تصوّر حادثة واقعة، فالأيدي المبايعة لرسول الله، يد الله فوقها تباركها وتدعمها.
فالله هو الذي نصر المؤمنين في بدر، وهو الذي أمدهم بالملائكة لتحقيق ذلك، وهو الذي حاسبهم على تقصيرهم في أحد، وهو الذي ردّ المشركين بغيظهم في يوم الخندق، والمبايعة له في صلح الحديبية. لذلك فإن الله يدعوهم إلى التجرد له في المعارك أو الحوادث الأخرى، وحين أعجبتهم كثرتهم يوم حنين عاقبهم على ذلك يقول تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ التوبة: ٢٥ - ٢٦.
فالصورة في هذا النص ترسم لنا المعركة بكلّ مراحلها ووقائعها الحسية والشعورية، ولقد كان للشعور الداخلي بالإعجاب بكثرة العدد أثره في الصورة الحسية للمعركة، فقد انقلبت صورتها إلى هزيمة منكرة بعد أن ظنّ المسلمون أن الكثرة وحدها هي التي تقرّر نتيجة المعركة، فجاء الدرس القاسي لهم، ليعودوا إلى التصور الصحيح في ربط الأحداث بالله سبحانه، فهو المؤثر فيها، والمقرر لنتيجتها ويجسّم ضيق نفوس المسلمين وشعورهم بالاختناق بصورة حسية وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ... وهذه الصورة النفسية المعبّرة عن الاختناق النفسي الشديد، جاءت موازية لشعور الإعجاب في بداية المعركة، حتى يغسل الشعور بالاختناق، الشعور بالإعجاب، ويزيله من ساحة النفس، لتعود لصفائها وتجردها لله. ثم أتبعها بصورة حسية مجسّمة للصورة النفسية المتمثلة في ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ وقد أزالت هذه الصورة المحسوسة، كل مشاعر الإعجاب بالكثرة، وأزالته من النفوس بالواقع المحسوس.