للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بعد ذلك تدخّل الله سبحانه ليغيّر اتجاه المعركة ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ والسكينة شيء معنوي، يجسّمها بصورة مادية محسوسة، فتنزل من عند الله، وكأنهم يلمسونها لمسا محسوسا، فتطمئن النفوس الخائفة بذلك، كما أنّ الله أنزل مع السكينة جنودا من عنده، وهذه الصورة غيبية، لا نعرف ماهيّتها، ولا طريقة اشتراكها في المعركة، تدخل في عناصر تصوير الحوادث كما رأينا سابقا دون تفصيل لها. لأن الغاية منها هي إبراز قدرة الله في تقرير نتائج المعركة وهذا ما نراه واضحا في تصوير الحوادث والمعارك، وتقرير النتائج.

وفي غزوة «تبوك» لا يختلف تصويرها، عن الخط العام في تصوير الحوادث الواقعية في القرآن، في التركيز على بعض النقاط البارزة فيها، لمعالجتها من خلال الرؤية الدينية الثابتة.

ففي تصوير هذه الغزوة يتمّ التركيز على الضعف واتخاذ الأعذار لعدم الخروج للقتال، كما تسلّط الأضواء المصوّرة على الثلاثة الذين تخلّفوا عن الغزوة دون عذر، وعلى المنافقين وأقوالهم ومعاذيرهم.

يقول تعالى في فضح المنافقين: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ التوبة: ٤٩.

وصورتهم هنا وهم يتساقطون في الهاوية، فتتلقاهم جهنم فور سقوطهم وتحيط بهم من كل جانب، صورة لها مغزاها، فهذا الاستئذان بلا مبرر، هو السقوط في الهاوية، كما أن الصورة توحي بما ينتظرهم من عذاب يوم القيامة.

وترسم الصورة لهم مشهدا مخزيا، يدلّ على شدة جبنهم، يقول تعالى فيهم: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ التوبة: ٥٦ - ٥٧.

فهؤلاء جبناء، ونفوسهم واهنة ضعيفة، جسّمتها الصورة في حركة حسية سريعة، ترسمهم، وهم يحاولون الاندساس في إنفاق تحت الأرض أو مغارات ليختبئوا فيها من شدة خوفهم وفزعهم، كما أنهم لا يندسّون فيها ببطء وإنما في سرعة الفرس الجموح أيضا، زيادة في تسريع الحركة التخييلية المعبرة عن جبنهم وخوفهم.

وتتواصل صور المنافقين الدالة على جبنهم في السياق القرآني المصوّر لهذه المعركة،

<<  <   >  >>