للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونلاحظ هنا فارقا عما سبق في التوجيه والتربية، من خلال تصوير النفوس تجاه الأحداث وأثرها في نفوسهم، فالمحاسبة شديدة في غزوة تبوك، لأنها وقعت في وقت متأخر من الدعوة الإسلامية، وقد بلغت التربية مرحلتها النهائية في النضج والاكتمال التي لا يقبل فيها التقصير أو التهاون.

أما الحوادث الأخرى غير القتالية التي كانت تقع في المجتمع الإسلامي آنذاك، فلا يختلف تصويرها أيضا عما ذكرناه سابقا من حيث التركيز على بعض الظواهر أو المشاهد أو الحالات النفسية ... إلخ لإبراز الحقائق الدينية من خلالها مثل الإسراء والمعراج، وحديث الإفك، وتحويل القبلة، والمرأة التي ظاهرها زوجها، ومسجد الضرار ونحو ذلك.

ونحن لا نريد حصر الحوادث، وطريقة تصويرها، لأن ذلك يبعدنا عن عملنا في وظيفة الصورة من ناحية، ولأن هذا العمل يحتاج إلى بحث مستقل أيضا لكثرة هذه

الحوادث الواقعة وقت نزول القرآن من ناحية أخرى لهذا سنقف عند بعضها، لبيان طبيعة الصورة، في تناول هذه الأحداث، ونقلها إلينا، كما وقفنا عند أبرز الغزوات في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم نقف عندها كلّها فيما سبق.

ونبدأ بحادثة الإسراء والمعراج يقول الله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الإسراء: ١.

والصورة المرسومة هنا تنقل الحدث من الغيب المجهول، إلى المشهد المنظور، وتبدأ عرض الحدث بالتسبيح لله وهو مناسب لجوّ الإسراء وما فيه من إعجاز أو خوارق للعادة، ثم تبدأ بتحديد الزمان والمكان لهذا الحادث الغيبي، وكلمة لَيْلًا متضمنة في قوله أَسْرى لأن السرى لا يكون إلا في الليل، ولكن ذكر لَيْلًا هنا يضفي على الصورة ظلا من الهدوء والسكون زيادة في توضيح الزمان.

ويترك للإنسان أن يتصور هذه الحركة السارية في الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، في سكون الليل ويد الله تحمل عبده ورسوله من مكان إلى آخر، فيشعر بالهيبة والجلال، أمام قوة الله القادر على كل شيء، كما أن ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى، في هذه الحادثة، يرمز إلى أن الإسلام هو خاتم الأديان السماوية. وتكتفي

<<  <   >  >>