للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصورة بهذه الكلمات القليلة، ولا تزيد في التفصيلات لأنّ هذا الحدث من عالم الغيب فلا مجال للخوض فيه. ثم جاء التعقيب بقوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وكلمة السميع ترتبط بالتسبيح الصاعد إليه وكلمة البصير ترتبط أيضا بجوّ الرحلة في الظلام الساجي، وبذلك يتناسق تصوير الحدث مع التعقيب عليه.

وترتبط حادثة المعراج بالإسراء، فهي أيضا صورة من عالم الغيب، نؤمن بها ولا نبحث عن تفاصيل الصورة ومن رحمة الله بالمسلمين أن صوّر لهم هاتين الحادثتين، وأطلعهم عليهما، ليكونوا على ثقة برسولهم وبمصدر تلقيه الوحي من السماء. يقول تعالى في معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء «٢» أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى، ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى، لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى النجم: ١٢ - ١٨.

وهذه الصورة غيبية شفافة، ليس فيها تحديد أو تفصيل، خص الله بها الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون واثقا من المصدر الذي يتلقى منه الوحي، وليكون شاهدا للبشر على حقيقة ما رأى من العالم غير المنظور. ولا مجال للحديث في الصورة الغيبية، لأنها تستمد عناصر تشكيلها من عالم غير محسوس. مثل سدرة المنتهى، وجنة المأوى- وجبريل، والآيات الكبرى، وكلّها مكوّنات غيبية غير محسوسة. ويبقى الأثر الذي تحدثه الصورة في النفوس، وهو شدة ارتباط الأرض بالسماء، فكل ما يحدث فيها هو بأمر الله، وهو مطلع عليه. وبذلك تلقي هذه الصورة الغيبية ظل الرهبة والخوف والمراقبة الدائمة لله سبحانه وتعالى.

وهذا ما نراه مؤكدا في تصوير الحوادث عامة. وقصة المرأة التي ظاهرها زوجها وتشتكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتحاوره، تؤكّد أيضا ما ذكرناه من اطلاع الله على أفعال عباده، وأقوالهم ومشاعرهم فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يقول الله تعالى:

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ المجادلة: ١.

وهذه الصورة المجملة للحادثة تدلّ على حضور الله سبحانه مع الناس، وما يصيبهم من مشكلات، وتدلّ على رعايته وتوجيهه لكل حدث في الأرض، صغير أو كبير، وهي أيضا


(٢) صفوة التفاسير: ٣/ ٢٧٣ - ٢٧٤.

<<  <   >  >>