صورة فريدة لهذا الاتصال بين الأرض والسماء، فالله هنا يسمع شكوى امرأة، ويقرر حكما شرعيا ثابتا من خلال حادثتها وهو «حكم الظهار».
ونلاحظ في الصورة الإلحاح على حضور الله، فهو قد سمع قولها وجدالها، وسمع أيضا شكواها، وسمع الحوار الدائر بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعقب على تصوير الحادثة بأنه سميع وبصير في نفس الوقت، فهو يسمع كل ما يحدث، ويراه أيضا.
ويمتاز تصوير الحوادث بالصدق والواقعية بالإضافة إلى ما ذكرناه من سمات.
ففي قصة عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، حين جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يعلمه، وكان الرسول مشغولا مع كبار قريش يدعوهم إلى الإسلام، فعبس في وجهه، وأعرض عنه.
نرى هذه الحادثة مصوّرة في القرآن الكريم، بكل ما فيها من إعراض، وعتاب، وتوجيه.
ويعتمد تصوير الحادثة على أسلوب الغائب في البداية، إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكر في سياق فيه عبوس وإعراض، كما أن الصورة تجسّم شعور رسول الله في تلك اللحظة بالعبوس والإعراض، ثم يلتفت بعد ذلك إلى مخاطبته مباشرة مع التوجيه، وتشتد لهجة العتاب، حتى تبلغ ذروتها في كلمة الردع والزجر «كلا».
ومن أشد الحوادث التي عصفت ببيت النبوة «حديث الإفك» وقد صوّر القرآن الكريم ذلك بصدق وأمانة لإبراز الحقائق الدينية من خلال تصويره، يقول تعالى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ النور: ١٥.
هذه الصورة، ترسم حركة الألسنة والأفواه هنا لأنها آلة الحديث ووسيلته، كما أن التركيز عليها يوحي بإلقاء الحديث ورميه باستهتار وخفّة، دون تثبّت أو شعور بأثر الكلمة والأفعال المضارعة المكررة في الصورة، تحيي المشهد، وتستحضره من الماضي إلى الحاضر، لتسلّط الأضواء عليه، وتبرز الحقائق من خلاله، وتحذر من هذا السلوك غير المسئول في المجتمع الإسلامي.
ثم تربط الصورة بين هذا المشهد لهؤلاء الناس الذين تداولوا حديث الإفك بالشيطان،