للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه هي طريقة القرآن الكريم في تصوير الأحداث القصة غالبا، تعرض في حلقات موزّعة على السور، حسب نظام العلاقات التعبيرية، والتصويرية والفكرية. في الأسلوب القرآني.

وقصة «إبراهيم» عليه السّلام أيضا نراها موزّعة على السور التالية: العنكبوت- الأنبياء- الشعراء- البقرة- هود.

ففي كل سورة من هذه السور، نجد تصويرا لأحداث حلقة من حلقات القصة.

ففي سورة العنكبوت، نلاحظ التركيز على تصوير عقيدة التوحيد، ونبذ عبادة الأصنام، والإطالة في عرض هذه الحلقة، من الأحداث، لأن إبراهيم عليه السّلام يعدّ جدّ العرب، ولكن تصوير أحداث هذه الحلقة يظهر سوء الجزاء الذي قوبل به إبراهيم، فقد كان يدعوهم إلى التوحيد بالحجة والمنطق، ولكنهم قابلوه بأسلوب القتل حرقا في النار، يقول تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ... العنكبوت: ٢٤، ولكن مشهد النار يعرض هنا موجزا جدا، ليعرض في حلقة أخرى في سورة أخرى.

وهذه الحلقة من قصته هنا، تتناسق مع قصة نوح قبلها من حيث الدعوة إلى التوحيد، وسوء مقابلة قومه له، ورفضهم دعوته.

وفي سورة «الأنبياء» تبدأ الأحداث بتصوير رشد إبراهيم عليه السّلام، ورجاحة عقله، وقوة حجته وأسلوبه الحكيم في دعوة قومه وأبيه إلى عقيدة التوحيد، وقد عرض ذلك بالاعتماد على أسلوب الحوار بين إبراهيم وأبيه وقومه، فقد دعاهم إلى الإيمان، واستنكر عليهم عبادة الأصنام، وقد قدموا له حجة واهية في سبب عبادتهم لها، وهي أنهم يقلّدون آباءهم وأجدادهم في ذلك.

وهذا يدلّ على جمود أذهانهم وعقولهم، لذلك ركّز إبراهيم في جوابه عليهم أن التقليد لا يكون في الضلال، ودعاهم إلى تفتيح عقولهم، ونبذ التقليد الأعمى وذلك بلفت حواسهم إلى الصور الكونية أمامهم في السماوات والأرض، ثم أعلن لهم أنه سيفعل شيئا ضد آلهتهم، ليوقظ عقولهم المتحجّرة.

ثم ينتقل تصوير الأحداث إلى مشهد الأصنام المحطّمة، وهذا المشهد هو الدليل الحسي على بطلان عبادتها، لأنها لم تستطع أن تحمي نفسها، فكيف تحمي غيرها؟ ولكن عقولهم

<<  <   >  >>