للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسانية، ويوضح خفاياها وأسرارها، لأنه هو خالقها، وهو أعلم بها.

وتختلف النماذج في القرآن، عن النماذج الأدبية من عدة وجوه منها: أنّ النماذج في القرآن تعتمد على الفكرة غالبا، متمثّلة في شخص معيّن، تصدق عليه. ومن خلال

تصويره، وإبراز ملامحه، تصبح الفكرة في الشخص «نمطا معيّنا» لأفراد من الناس مثل نماذج المؤمن، والكافر، والمنافق، فهذه النماذج بدأت من فكرة دينية، تجمّعت من حولها مجموعة من الصفات المميّزة لكل شخصية، حتى أصبحت نموذجا مكررا، لكل شخصية تشابه هذا النموذج في فكره وسلوكه وشعوره.

أما في الأدب، فالنماذج تبدأ من شخص، ثم ينتهي تصوير أبعاده النفسية والفكرية والسلوكية كي تصبح نموذجا لنمط معيّن من البشر.

على أن النماذج القرآنية، لا تبدأ من الفكرة الدينية فحسب، فهناك نماذج تبدأ أيضا من «شخص» معيّن، ثم ينتهي من خلال تصويره ليصبح نموذجا لنمط معين من البشر. مثل «فرعون» الذي أصبح نموذجا لكل متجبر متسلّط، في فكره وسلوكه، وشعوره.

كذلك لا تعتمد النماذج القرآنية على ذكر الجزئيات والتفصيلات المكوّنة للنموذج، وإنما تعتمد على اللمحة الخاطفة، والإشارة الموحية، فإذا بالنموذج حيّ شاخص واضح القسمات والملامح.

يقول سيد قطب عن طريقة القرآن في تصوير النماذج إنه «رسمها في سهولة ويسر، واختصار فما هي إلا جملة أو جملتان حتى يرتسم النموذج الإنساني شاخصا من خلال اللمسات، وينتفض مخلوقا حيّا خالد السمات» «٦».

وتتسم هذه النماذج القرآنية بالشمولية، ولا تتقيّد بزمان ومكان محددين، بل تشمل جميع الناس، باختلاف طبقاتهم وفئاتهم. وهذا ينسجم مع النص القرآني الذي يخاطب الإنسان في كل عصر وجيل.

وتتميّز نظرة القرآن الكريم بنظرته الواقعية للإنسان، فهو ينظر إليه من خلال طبيعته المزدوجة، التي تقبل السمو والتحليق، كما تقبل الهبوط والتدني، ففي النفس الإنسانية هذه الخطوط المتقابلة، فيها القوة والضعف، والسمو والهبوط، والهدى والضلال، والشجاعة


(٦) التصوير الفني: ٢١٦.

<<  <   >  >>