للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخوف ... إلخ.

ويصوّر لنا القرآن هذه الطبيعة الإنسانية، ويبرزها من خلال النماذج المصورة، وهدفه ليس تصوير الإنسان ملاكا، أو شيطانا بل تصوير هذه الطبيعة فيه، لتوجيه استعداداته نحو الخير والصلاح. فالإنسان بإمكانه أن يستغل طاقاته في العمل والبناء المثمر، ضمن إطار الواقع المعاش، دون أن يخلّ ذلك بطبيعته الإنسانية في السمو والهبوط، والصواب والخطأ.

والنماذج القرآنية، تختلف عن النماذج الأدبية في ذلك، فالقرآن حين يصوّر هذه الطبيعة البشرية لا يزيّن نقاط الضعف والانحراف فيه، بل يبرز استعداداته نحو السمو والاستقامة والهدى، ضمن الغرض الديني من التصوير لهذه النماذج.

وقد عرض القرآن الكريم حياة الإنسان كاملة، منذ بداية خلقه في عالم الغيب، حين خلق الله آدم، ثم هبوطه إلى الأرض، ثم تطور حياة الإنسان، على الأرض، وعلاقته مع نفسه ومع الآخرين وموقفه من ربه، ومن دعوة الرسل.

وقد هيّأ بهذا العرض الطويل والدقيق لحياة الإنسان، بروز النماذج الإنسانية في القرآن بكثرة وغزارة. فهناك نماذج مؤمنة وكافرة ومنافقة، ونماذج تمثل القوة، وأخرى تمثّل الضعف، ونماذج من الرجال، وأخرى من النساء، ثم هناك نماذج الجنس البشري كلّه، ونماذج تمثل طبقة، أو فئة من الناس، ونماذج ترسمها القصص التاريخية، أو الأمثال، ونماذج ترسمها الكلمات والصور فهذه النماذج المرسومة وغيرها، هي نماذج مصوّرة، لتحقيق الغرض الديني، وليست لمجرد التصوير الأدبي.

لذلك يمكن أن نقول إن النماذج القرآنية، هي نماذج أفكار ومبادئ، لتجسيد المعاني الدينية في صورة أشخاص، يتحركون على أرض الواقع، بكل سماتهم، وملامحهم الواضحة من خلال التصوير الفني لهم.

وتقف نماذج الأنبياء في قمة النماذج القرآنية، فكرا وسلوكا وشعورا، بحيث لا يمكن قياسهم بغيرهم، فهم صفوة البشر، اصطفاهم الله لتبليغ رسالاته. وهذا الاصطفاء جاء لتوفّر صفات فيهم، لا تتوفّر في غيرهم، ولكن هذه النماذج المتميّزة عن بقية النماذج هي نماذج إنسانية أيضا، فيها كل الخصائص، أو الصفات الإنسانية، في صورتها المثالية، فقد عصمهم الله سبحانه وتعالى، وجعلهم معجزته البشرية، كما كان القرآن معجزته البيانية.

<<  <   >  >>