للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد هذا ننتقل إلى الحديث عن هذه النماذج الإنسانية في القرآن الكريم، لندرك التواصل أو الترابط بين الصور الفنية في تحقيق الأغراض الدينية.

فقد بدأ القرآن الكريم من أول سورة فيه «البقرة» بتقسيم الناس إلى فئات ثلاث: مؤمنة وكافرة ومنافقة. وهذا التقسيم للناس ليس مألوفا في علم التاريخ والاجتماع، وإنما هو تقسيم جديد، يعتمد على قاعدة أساسية، وهي موقف الناس من العقيدة الإسلامية، ثم راح القرآن بعد ذلك يرسم صورا لهذه الفئات الثلاث، محددا معالم كل فئة لتعرف بها، في الفكر والشعور والسلوك، حتى غدت كل فئة من هذه الفئات نمطا مألوفا في الحياة البشرية، كل نمط يعدّ نموذجا حيّا لمجموعة من البشر، نموذجا مكرّرا في كل زمان ومكان، لا تكاد تخرج البشرية عن هذه النماذج الثلاثة إلى يومنا هذا.

وقد رسم القرآن الكريم هذه النماذج، بكلمات قليلة، وعبارات موحية، فإذا بها تنتفض من خلال التصوير والتعبير صورا، ونماذج نابضة بالحياة والحركة، دقيقة السمات لأشخاص معروفين مكررين، بهذه المعالم الواضحة والسمات الدقيقة.

ويبدأ القرآن برسم صورة للمؤمنين أولا محدّدا أبرز سماتهم وملامحهم، فأصبحوا بهذه الملامح المصوّرة، نماذج مكررة في كل جيل وزمان، قال تعالى: الم، ذلِكَ

الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

البقرة: ١ - ٥.

فهذه صورة وضيئة للمؤمنين المتقين، صورة توضّح ملامح هذا النموذج الفريد بين البشر، فترتبط صورتهم بصورة حسية مرئيّة من خلال قيامهم بالفرائض المحسوسة، وصورة غيبية، من خلال إيمانهم بالغيب واليوم الآخر، هذه الثنائية في التصوير بين الحسي وغير الحسّي، تمثّل مجمل التصور الإسلامي في نظرته إلى الإنسان ذي الطبيعة المزدوجة المكوّنة من مادة وروح، والحياة أيضا باعتبارها دنيوية وأخروية.

كما أنّ هذه الثنائية تعتبر من خصائص الصورة الفنية في القرآن التي تجمع بين الحسّي وغير الحسي.

فالصورة هنا ترسم هذا النموذج، وتحدّد معالمه، ليكون نموذجا يحتذى في عالم الواقع

<<  <   >  >>