للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهناك نماذج للمؤمنين، متفرّعة من هذا النموذج، ولكنّها مرتبطة فيه، ومتواصلة مع ملامحه وسماته.

فنموذج المؤمن هنا، يتفرّع إلى نماذج للمؤمنين، لأنهم يتفاوتون في الصفات والملامح، ولكنّهم يلتقون جميعا في الملامح الأساسية المحدّدة لنموذج المؤمن في أول سورة البقرة.

فهناك المؤمن المتجرد لله، يبيع كل شيء في سبيل مرضاة ربّه. ترسمه الصورة، وتحدّد معالمه، ليصبح نموذجا يحتذى. يقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ البقرة: ٢٠٧.

وهناك نموذج المؤمن الشجاع، الذي نراه في قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران: ١٧٣.

ونموذج آخر للمؤمنين، يتمثّل في أولئك الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يقول تعالى فيهم:

إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السجدة: ١٥ - ١٧.

فمشاعر هذا النموذج مجسّمة في صورة محسوسة، تتمثّل في حركة الجسد ساجدا لله، وحركة اللسان مسبّحا أيضا، ثم يرسم القرآن مشهدا مؤثّرا لهم، يجمع بين الصورة الحسية والصورة النفسية. فهذا النموذج فريد بين البشر، يهجر مضجعه اللذيذ في وقت راحته ورقاده. ليتوجّه إلى ربّه في ساعات الليل، وهو نموذج فريد أيضا في مشاعره، وصلته بربه، يجمع بين الرجاء والخوف.

وبين الصورة المحسوسة، والصورة النفسية، صلة وتواصل في السياق، فهذه المشاعر الخائفة، هي التي دفعتهم إلى هجر المضاجع في زمن الراحة والدّعة.

فالصورة النفسية لهم، تجسّم في صورة حسية متحركة يَدْعُونَ رَبَّهُمْ .. وصورة حسية متحركة أخرى، هي «تتجافى جنوبهم عن المضاجع» والمضاجع، تدعو الجنوب إلى الاسترخاء والدّعة، وإسناد الفعل إلى الجنوب، يوحي بما في التجافي عن المضاجع من مشقّة للأجسام.

<<  <   >  >>