للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حين تخلو من العقيدة التي تقيم التوازن النفسي ... وتحقّق الطمأنينة والثبات للإنسان.

ونموذج آخر، أكثر تفصيلا في تقلّباته بين الشدة والرخاء، وتغيّر مواقفه. يقول تعالى:

لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ، وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى، فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ، وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ فصلت: ٤٩ - ٥١.

فهذا النموذج كثير التقلّب في مواقفه ومشاعره، فهو كثير الإلحاح في طلب الخير، وإن مسّه الشرّ، مجرد مسّ خفيف، ركبه الهمّ والقنوط، وفقد الأمل، فإن منّ الله عليه من

جديد، فأزال همّه، وأغرقه بنعمته، جحد نعمة ربه، ونسبها لنفسه، ثم تضخّم عنده الشعور بالذات، فأثّر في اعتقاده، فأنكر الآخرة، أو حسب نفسه بأنه سيكون محظوظا أيضا عند ربه.

وهكذا تحوّل هذا الإنسان الضعيف إلى إنسان بطر بالنعمة، فمدّع، فمنكر ليوم القيامة، وإن مسّه الشرّ من جديد، عاد إلى الدعاء والإلحاح في طلبه «فذو دعاء عريض». وهكذا حاله دائما في تقلباته، بين لجوء إلى ربه، وادّعاء وإنكار، وهذه صور مكرورة، نراها في كثير من الناس.

ويقترن أحيانا تصوير هذا النموذج بمشاهد دالة على قدرة الله، للتذكير والتهديد يقول تعالى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يونس: ٢١ - ٢٣.

فكثير من الناس هذا حالهم، فإذا زالت الشدة عنهم، عادوا إلى المكر والخداع، ولكنّ الله أقدر على إبطال مكرهم، فالملائكة يدوّنون أفعالهم إلى يوم الحساب.

ثم ترسم الصورة مشهدا مطوّلا لهذه النماذج من الناس، مستمدّا من الطبيعة المحسوسة،

<<  <   >  >>