ليكون أبلغ أثرا في النفوس. فهذه السفينة تتحرك في البحر هادئة، بريح طيبة ندية رخية، تدفعها بهدوء وأمان، وكأنّ هذه السفينة هي الحياة، رمز إليها بالسفينة، والبشر هم ركّابها، يعيشون على ظهرها برخاء وأمان أيضا، وهم فرحون بها، سعيدون بهذه الأجواء الهادئة الآمنة، ثم تحدث المفاجأة غير المتوقعة، فتهبّ العاصفة المدمّرة، فتضطرب حركتها، ويضطرب ركابها خائفين، والأمواج تعلو وتهبط لإغراقها بمن عليها، في هذه اللحظات، توجّه الناس بالدعاء مخلصين، وانكشفت الفطرة على حقيقتها، من تحت الأوهام والأهواء، فاستجاب الله لهم، وهدأت العاصفة، وهدأت السفينة لتسير في حركتها الطبيعية، ولكنّ هؤلاء حين استقروا على الأرض نسوا ما مرّ بهم من ضيق وهم على ظهر السفينة، وما عاهدوا عليه الله من الشكر إن أنجاهم ...
فالمشهد هنا يجسّم المشاعر الإنسانية لهذا النموذج، في حالتي الشدة والرخاء، لتتضح سمات هذا الصنف من الناس، في تعامله مع ربه بشكل متناقض، لكنّ التهديد يأتي في أعقاب التصوير بأنّ هذه النماذج من البشر، لن تفلت من الحساب عمّا تعمله في الحياة.
وأحيانا يلمس التصوير الفني طبيعة الإنسان، بكلمات قليلة، فيرتسم النموذج واضح القسمات والصفات كقوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ الأنبياء: ٣٧.
وتتمثّل هذه العجلة فيه في سرعة النسيان للضرّ الذي أصابه يقول تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ هود: ١٠.
فهو قاصر عجول، سريع في نسيان أيام الشدة والضر، قاصر في فهم النعمة التي لا تدوم، لذلك فإنه فرح، متباه بها، لا يدرك أنها إلى زوال.
وبكلمات قلائل أخرى تصور حقيقة الجنس البشري أيضا في نموذج مكرّر: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً المعارج: ١٩ - ٢١.
وترسم الصورة نموذجا لكثير من الناس، هذا النموذج يحب الحمد والثناء على شيء لم يفعله لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ آل عمران: ١٨٨.
وفريق آخر من الناس يؤثر التقليد على التفكير، وهذا نموذج مكرّر نراه على الدوام، قال تعالى: قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا المائدة: ١٠٤، وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا