للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأحيانا يجمع القرآن الكريم بين السماء والأرض، ويقيم الروابط بينهما عن طريق التضاد، لإظهار المشاهد الكونية المتغيّرة والهائلة، قال تعالى: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ، وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ الانشقاق: ١ - ٥.

فالسماء والأرض هنا تسمعان وتطيعان، وتنقادان لله في الانشقاق والامتداد والاتساع وكأنهما كائنات حيّة، على طريقة القرآن الكريم في تشخيص الجوامد، وجعلها حيّة شاخصة، لإظهار قدرة الله، وتأثير فعله في هذه الكتل الكونية الضخمة، ورسم آثار الهول والفزع في هذا الكون المنظور.

وقد تلمس الصورة ضمن هذه المشاهد الكونية المتغيرة، الصورة البشرية المتحركة للحساب، قال تعالى: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً، يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً، وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً، وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النبأ: ١٧ - ٢٠.

وتتلاقى هنا صورة الكون المتغيّر، بصورة البشر المتحرّك، لزيادة التأثير، والإيحاء بأهوال القيامة. وقد يشتد التصوير لهذه المشاهد، برسم حركة عنيفة شديدة، لمظاهر التغيّر، والانقلاب الكوني الهائل. قال تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى، يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ...

الفجر: ٢١ - ٢٤.

فتصوير الأرض مدكوكة مستوية، بهذا العنف، وهذا التأكيد اللفظي المكرّر، يزيد من الأهوال، حين يتصور الإنسان نفسه عليها، وهي تدكّ هذا الدكّ العنيف، حينئذ، تتضح الحقائق، وتزال الأوهام من ذهن الإنسان، فيتمنّى أن يكون قد استعدّ لهذا اليوم المخيف.

ويتواصل تصوير الأرض في ذلك اليوم، برسم شدّة اضطرابها، وقد اعتاد الإنسان الاستقرار عليها، وهي صور توحي بضعف الإنسان أمام هذه الصور الكونية المتغيّرة،

وتزيد من التأثير في حسه وشعوره، يقول تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها، وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزلزلة: ١ - ٨.

وصورة الأرض ترجف، وتمتد أو تزلزل، وتخرج ما في باطنها من الأجساد والأشياء، صورة مكررة في القرآن الكريم، لتخويف الإنسان، وإشعاره بأن الاستقرار عليها محدود،

<<  <   >  >>