للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس دائما.

وهي صور مترابطة مع الصور الأخرى في إيضاح الحقائق الدينية الثابتة وتكوين الرؤية الإسلامية المتكاملة للحياة والإنسان والكون.

ولكن الجديد، هو موقف الإنسان المشدوه المبهور، من هذه الزلزلة العنيفة، وقد اعتادها مستقرة، ويجسّم التعبير حالته النفسية الخائفة، بهذا الاستفهام «ما لها» وكأنّ التعبير القرآني، يرسم صورة الزلزلة الحسية، وآثارها في الزلزلة النفسية أيضا.

ثم تتواصل الصور في داخل السياق، وتتفاعل في إيضاح الحقائق الدينية، فما يكاد ينتهي سؤال الاستفهام وما فيه من حيرة واستغراب، إلا ويرى الإنسان نفسه أمام مشهد آخر للأرض، وهو مشهد الحشر للحساب والجزاء، وخروج الناس من القبور في ذعر وخوف، واضطراب ليروا أعمالهم مجسّمة حاضرة على طريقة القرآن الكريم في تجسيم المعنويات في صور محسوسة، فالأعمال حاضرة هنا ومرئية، وهي توزن بالميزان الدقيق، حتى الذرة في حجمها الصغير، توزن في هذا الميزان إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

وتترابط الصور في داخل السياق، في حركة متفاعلة نامية لإيضاح الحقيقة الدينية، والمغزى من التصوير. فتبدأ الصورة بحركة الزلزلة في الأرض تتبعها حركة إخراج ما فيها من أجساد، تتبعها حركة الحيرة والاستغراب، ثم تتبعها حركة العودة إلى الله للحساب والجزاء، ثم تنتهي الحركة وتتوقف عند هذا الميزان الدقيق للأعمال.

ثم يمضي التصوير الفني في القرآن، ليوضّح طبيعة الأعمال الموزونة، منها الثقيلة، ومنها الخفيفة، ونتائج هذه الأعمال الموزونة، إمّا في الجنة، وإمّا في النار، وذلك في قوله تعالى: الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ، وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ، يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ، وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ، فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ، وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ، نارٌ حامِيَةٌ القارعة: ١ - ١١.

فالصورة كلها أهوال مرعبة، من مطلعها إلى خاتمتها، وترتسم الأهوال في التصوير والتعبير معا، فالقارعة، بجرسها الشديد، وتكرار الاستفهام أيضا، يضخم من هذه الأهوال المرسومة، ثم في حركة الناس كالفراش المبثوث، وصورة الجبال المنفوشة، والأعمال الموزونة، ونتائج الأعمال، وختام السورة بالنار الحامية، يتناسق مع مطلع القارعة المخيف.

<<  <   >  >>