وتحريك العقل إلى تأمّل قوانين الله المبثوثة في الكون والتي تمكّن الطيور من التحليق أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ الملك: ١٩.
وتكثر الصور المستمدة من عالم النبات، وما فيه من عجائب وقوانين دقيقة. فالحبة توضع في الأرض فتربو وتنمو وتشق التربة، وتمتد بجذورها في باطن الأرض، وتمتد بساقها فوق سطحها. ثم عالم النبات يختلف في شكله ونوعه، وطعمه، ولونه، ورائحته، وكلّها تسقى بماء واحد، وتزرع في تربة واحدة، ولكنّ النبات يتنوّع، وكذلك الثمار، مثلها كمثل الإنسان في خلقه من ماء ثم التنوّع في الأشكال والألوان والأحجام.
فمبدأ الحياة قائم على وحدة الأصل، ثم التنوّع في الأشكال والألوان والأحجام والطعوم وهذه الظاهرة في الصور الحسية المعروضة أكبر دليل على الله الخالق.
والإشارة في بعض الصور المتجاورة، إلى قانون السببية، فصورة الثمار أو النبات مرتبطة بنزول الأمطار أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها فاطر: ٢٧، وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ الرعد: ٤.
ويكثر اعتماد القرآن على الصور الكونية في إيراد الأدلة العقلية على وجود الخالق.
فالسماوات بغير عمد، أو أمراس تمسكها، كما هو مألوف عند الناس، في تشييد البناء والعمران، وكذلك الأرض، ثم حركة الأفلاك، وحركة الأرض، ودقة قوانين الحركة
في الصور الكونية، وارتباطها بما يتفق مع حركة الإنسان على الأرض، فلا يصطدم بعضها ببعض، ولا تؤثر حركتها في حركة الإنسان الثابتة على الأرض، ودور هذه الحركة الكونية في تعاقب الليل والنهار، وتكوين الفصول والأيام والشهور، بدقة متناهية، وحسابات مضبوطة.