للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ الإسراء: ١٢.

فهذه الصور تتضمن الأدلة العقلية على وجود الله، لأن العقل لا يقبل أن يوجد شيء من غير موجد أوجده، فالشيء الموجود لا بدّ له من موجد.

كما أن هذه الصور الحسية، وإلحاحها على التدبر في الكون المحسوس، فتحت الطريق أمام المسلمين للعلم التجريبي، يقول محمد إقبال: «والقرآن يصرح بوجود مصدرين للمعرفة هما الطبيعة والتاريخ، وروح الإسلام تتجلى في أحسن صورها، وهي تفتح طريق البحث في هذين المصدرين كما جاء في الآيات التي تذكر الشمس والقمر وامتداد الظل، واختلاف الليل والنهار والألسن والألوان، وتداول الأيام بين الناس، وهذه الدعوة إلى عالم الحس والاستشهاد به هي التي انتهت بالمسلمين إلى الاتجاه التجريبي العام، وجعلت منهم آخر الأمر واضعي أساس العلم الحديث» «٦».

ويعتمد إبراهيم عليه السّلام على الصورة الكونية في مناظرته للنمرود، فيورد الدليل، ثم ينتقل إلى دليل آخر لإفحام خصمه بدليل لا يقبل المغالطة فيه.

يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ... البقرة: ٢٥٨.

فهذه الصورة القائمة على المناظرة، تحمل أدلة عقلية، وبراهين وحجج على وجود الله.

فإبراهيم عليه السّلام يعتمد على صورة الإماتة والإحياء التي لا يقدر عليها إلا الله، ولكن النمرود غالط في هذا الدليل، وصرفه عن حقيقته في الخلق من العدم إلى ظاهره، ولم يشأ إبراهيم أن يجادله في مغالطته، وبيان فساد استنتاجه في فهم دلالة الصورة المعجزة، وفضّل أن ينتقل إلى دليل آخر، مستمد من الصورة الكونية التي لا تقع ضمن سلطة النمرود، وهي حجة عقلية ساطعة مفهومة للعوام والخواص، وهي أشد إقناعا وإفحاما.

لذلك كان التعقيب على الاحتجاج بالصورة الكونية هو عجز النمرود، وإفحامه بالدليل، وظهور الحقيقة الساطعة للعيون، والمفحمة للعقول، فجاء قوله: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ بتصوير حالة الاندهاش من قوة الدليل العقلي، والحجة الدامغة للخصم.


(٦) تجديد الفكر الديني في الإسلام: محمد إقبال. ص ١٤٦.

<<  <   >  >>