للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله أيضا: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ المؤمنون: ٩١.

فالصورة الأولى تلفت أنظار الإنسان إلى بناء الكون بإحكام ونظام دون اختلال أو اضطراب، وهذه الصورة المحكمة تدل على أن الله واحد، لأنه لو كان هناك أكثر من إله لأدى ذلك إلى اختلال في الصورة الكونية المحكمة، لاختلاف الإرادتين وتناقضهما، وهذا الاختلاف يؤدي إلى الفساد في بناء الكون، والإخلال بنظامه، وحين لا نرى هذا الفساد في الكون والحياة فإن هذا دليل الوحدانية، ونفي لتعدد الآلهة.

والصورة الثانية ترسم حركة مضحكة في المخيّلة، على افتراض وجود آلهة متعددة، فكل إله يذهب بمخلوقاته، بعيدا عن الآخر، وتلقي الصورة ظلّ استحالة وقوع ذلك لانتفاء الاختلال في الكون والحياة. ثم ترسم صورة أخرى للآلهة المتعددة، يعلو بعضهم فوق بعض، وصراع الآلهة على المخلوقات وانحياز الخلق كل إلى إلهه الخاص به.

ويلاحظ هنا أن الصورة المرسومة تقود الإنسان إلى التسليم بحقيقة التوحيد، من خلال افتراض المحال، وبيان فساد هذا الافتراض في حال وقوعه.

فالصورة تؤكّد على توحيد الألوهية، وافتراض آلهة متعددة محال، لما يلزم منه من المحال «١٠».

فالقرآن الكريم، يعتمد التصوير الفني في إثبات عقيدة التوحيد، ومخاطبة العقل البشري من خلال الصورة المرسومة لتحقيق التأثير الوجداني أيضا.

يقول الدكتور محمد عبد الله دراز في أدلة القرآن على العقيدة إنها «تجمع بين العمق والوضوح والدقة. اقرأ قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. وانظر كيف يكون الاستدلال والتهويل والاستعظام في هذه الكلمات القليلة! بل الدليل نفسه جامع بين عمق المقدمات اليقينية، ووضوح المقدمات المسلمة، ودقة التصوير، لما يعقب التنازع من الفساد الرهيب، فهو برهان خطابي وشعري معا، وهذا ما لا نجده في كتب الحكمة النظرية» «١١».


(١٠) مناهج الجدل في القرآن: ص ٧٦.
(١١) النبأ العظيم: د. محمد عبد الله دراز ص ١١٦.

<<  <   >  >>