للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لإقامة الحجة والبرهان كقوله سبحانه وتعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ البلد: ٨ - ١٠، وكقوله تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ يس: ٨١.

ويعتمد القرآن الكريم في الاستدلال على (القياس التمثيلي)، والمراد به إلحاق أحد الشيئين بشيء آخر فيقيس المستدل الأمر الذي يتبنّاه على أمر معروف، عند من يخاطبه، أو على أمر بدهي لا تنكره العقول «١٣».

والأمثال القرآنية من هذا النوع، فهي تعتمد منهجا عقليا في الاستدلال على الموضوعات الدينية التي تقررها، وهي أقوى حجة، وأقرب فهما.

وعلة ذلك كما يقول قدامة: «لأن الخبر في نفسه إذا كان ممكنا فهو يحتاج إلى ما يدل عليه وعلى صحته، والمثل مقرون بالحجة، ألا ترى أن الله عز وجل لو قال لعباده: إني لا أشرك أحدا من خلائقي في ملكي، لكان ذلك قولا محتاجا إلى أن يدل على العلة فيه، ووجه الحكمة في استعماله، فلما قال: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ الروم: ٢٨ كانت الحجة من تعارفهم مقرونة بما أراد أن يخبرهم به من أنه لا شريك له في ملكه من خلقه، لأنهم عالمون أنهم لا يقرون أحدا من عبيدهم على أن يكون فيما ملكوه مثلهم بل يأنفون من ذلك، ويدفعونه، فإن الله عز وجل أولى بأن يتعالى عن ذلك» «١٤».

وقال الأصبهاني (ت ٣٥١ هـ): «وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة وقمع لسورة الجامح الأبي، فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر في وصف الشيء في نفسه، ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه، وفي سائر كتبه الأمثال» «١٥».

وقد أشار القرآن الكريم إلى قوة الدليل العقلي بالأمثال يقول الله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً الفرقان: ٣٣.

فالأمثال تعدّ من أقوى طرق الاستدلال، والموازنة العقلية في إثبات الحقائق الدينية وإقامة الحجة والبرهان على الخصوم.


(١٣) مناهج الجدل في القرآن: ٧٢.
(١٤) نقد النثر: قدامة بن جعفر. ص ٧٥ (منسوب إليه)
(١٥) الإتقان: للسيوطي: ٤/ ٣٩.

<<  <   >  >>