لهذا اعتمد القرآن أحيانا على الأمثال في إثبات البعث بعد الموت، لأنّ الأمثال تتضمن أدلّة عقلية قاطعة في إثبات هذه القضية. يقول الله تعالى: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ... يس: ٧٨ - ٧٩.
فالمثل يضع أمام الإنسان المنكر للبعث صورته الأولى في الخلق، وما فيها من قدرة وإعجاز، فالقادر على الخلق على غير مثال ابتداء، قادر على الإعادة بداهة، بل إن الإعادة تبدو أهون من الابتداء في الخلق على غير مثال، وهذا هو الاستدلال الأول.
ثم هناك استدلال آخر بمظاهر الطبيعة، فصورة النار المشتعلة من الشجر الأخضر، دليل على قدرة الله في الجمع بين المتضادات مثل الماء والنار، وهذا دليل عقلي آخر على قضية البعث بعد الموت التي تبدو في ذهن المنكرين لها من المتضادات المستبعدة، ولكن القرآن يقربها بالصورة المحسوسة لاشتعال النار في الشجر الأخضر.
وبذلك ينتفي الاستبعاد، وتتحقق القدرة الإلهية في الخلق والإماتة ثم في البعث والنشور. ثم جاء بدليل عقلي أكبر، فلفت العقل الإنساني إلى هذه الصورة الكونية الضخمة في خلق السماوات والأرض، وما فيها من كواكب ونجوم، وأسرار وعجائب، وما في الأرض من جبال وسهول وبحار ورياح ... إلخ.
فالمثل هنا يخاطب العقل بالأدلة البدهية، والبراهين المنطقية، فأقام عليه الحجة أولا من نفسه، ثم انتقل به إلى دليل من الطبيعة في اشتعال النار من الشجر الأخضر، ثم انتقل به إلى دليل أكبر مستمد من هذا الكون الواسع.
إنّ هذا الاستدلال على قضية البعث بعد الموت يعدّ من أقوى الاحتجاج العقلي، حيث تحوّلت القضايا الكبيرة والمعقدة إلى قضايا مدركة ومصورة للناس.
وأحيانا تعرض هذه القضية على شكل محاورة أيضا بين مؤمن وكافر في إطار من الاستدلال العقلي.
فالحوار بين الاثنين يكشف عن إنكار الكافر للبعث بعد الموت، فيردّ عليه المؤمن بوضع صورة خلقه من العدم، ثم يصوّر له مراحل نموه، ليظهر له قدرة الله سبحانه.