للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترسم الصورة حياة الإنسان من نشأته إلى مماته، ثم في امتداد حياته في العالم الآخر، وكأنّ الصورة تقدم تفسيرا للإنسان عن نشأته وحياته ومصيره، ولا تتركه للأوهام والظنون، كما تفسّر له الكون من حوله، والحياة، وهذه قضايا تلحّ على ذهن الإنسان، ويطلب أجوبة للأسئلة التي في ذهنه، فتقدم الصورة رؤية صحيحة للكون والحياة والإنسان، تتسم بالشمول والعمق والواقعية، والإيجابية والتوازن.

فبين الكون والإنسان والحياة، روابط قوية، تلتقي جميعها في خط واحد هو «العبودية» وهذه العبودية في الكون والحياة والإنسان، تقابلها «الألوهية»، وبين الألوهية والعبودية، علاقات وروابط هي علاقة المخلوق بخالقه، والعبد بربه فهذا الكون بما فيه من أرض وسماء، وبحار وجبال، ورياح وسحاب، وأشجار وثمار ... إلخ مخلوق لله ومنقاد له، كما بيّنّا ذلك في مشاهد الطبيعة.

وصور الأحياء تلتقي في «العبودية» لله، وترجع إلى نفس المصدر الذي انبثق منه الكون.

وتشغل صورة الإنسان مساحة أوسع في التصوير، ابتداء من خلقه، ومرورا بمراحل نموه ونشأته وحياته وسلوكه وتاريخه مع الرسل والأنبياء، وموقفه من دعوة الله، وامتدادا بعد وفاته في العالم الآخر.

وهي الصورة الوحيدة الممتدة هذا الامتداد في الزمان والمكان، لتوضيح نهاية الإنسان وحسابه على أعماله، ونتائج الحساب في الجنة أو النار، وتنتهي صورة الإنسان فيهما بحسب عمله.

ويلاحظ أن صورة الإنسان في الآخرة، هي امتداد لصورته في الدنيا، لأن الدنيا للعمل، والآخرة للجزاء للإنسان نفسه.

فالصورة الفنية في القرآن تتسم بالشمول والعمق والامتداد، ضمن نظام العلاقات التصويرية والتعبيرية والفكرية.

فصورة الإنسان، ممتدة في العالمين المحسوس وغير المحسوس، ومرتبطة بالروابط القوية بين العالمين ارتباط الأسباب بنتائجها.

كما أنّ الصور كلها تتجمّع، وتتّحد لأداء الوظيفة الدينية، كما تتّحد مشاعر الإنسان في الكيان الموحد لكي تستجيب لهذا الخطاب القرآني.

<<  <   >  >>