وتكاملت نعمة الله على عباده بهذا الكتاب الذي سماه الله القرآن العظيم، وبالرسول الذي يبلغ إلى العالمين، فلله في ذلك المِنَّة البالغة {لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}(آل عمران: ١٦٤).
وحتى تبقى كلمة الله شاهدة على خلقه جيلاً فجيل؛ تكفل الله جل وعلا بحفظ كتابه الأخير {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(الحجر: ٩)، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إن علينا جمعه وقرآنه - فإذا قرأناه فاتبع قرآنه - ثم إن علينا بيانه}(القيامة: ١٧ - ١٩)، وهكذا أضحى القرآنُ الكتابَ الإلهي الوحيد المحفوظ بحفظ الله له {وإنه لكتابٌ عزيزٌ - لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ}(فصلت: ٤١ - ٤٢).
وحتى يحفظ الله كتابه يسَّره للحفظ، وأنزله في أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وإنما تعتمد الحفظ وسيلة للمحافظة على تراثها وتاريخها وأشعارها وأنسابها {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}(القمر: ١٧)، وأنزله منجماً مفرقاً على مدى ثلاث وعشرين سنة، ليسهل حفظه ومدارسته على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
وقد حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، وتعهده الله بمدارسته مع جبريل عليه السلام من كل عام في شهر رمضان، يقول ابن عباس:(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة). (١)
ويخبرنا القرآن عن حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على حفظ النص القرآني، فقد كان يردده حال سماعه له من جبريل عليه السلام، خشية أن ينسى بعضاً منه، فطمأن الله روعه، وأعلمه أن القرآن محفوظ بحفظ الله:{ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً}(طه: ١١٤)، وقال له:{لا تحرك به لسانك لتعجل به - إن علينا جمعه وقرآنه}(القيامة: ١٦ - ١٧).