فإسلام عبد الله بن سلام، وهو حبر عالم في الكتب السابقة دليل صدق وشاهد حق على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - {ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}(الرعد: ٤٣).
وفي مسند أحمد شاهد آخر من شهادات أهل الكتاب بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك فيما يرويه عن سلمة بن سلامة البدري - رضي الله عنه - قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، فخرج علينا يوماً من بيته قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير، فوقف على مجلس عبد الأشهل، وأنا يومئذ أحدث من فيه سناً .. فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقومٍ أهلِ شرك أصحابِ أوثان، لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت.
فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائناً؟ إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار؟ يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلَف به ..
قالوا له: ويحك، وما آيةُ ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد. وأشار بيده نحو مكة واليمن.
قالوا: ومتى تُراه؟ قال سلمة: فنظر إليّ، وأنا من أحدثهم سناً، فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمُرَه [أي إن عاش حتى يهرم] يدركْه.
قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو [أي اليهودي] حي بين أظهرنا، فآمنا به، وكفر به بغياً وحسداً.
فقلنا: ويلك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، وليس به. (١)
لقد أنكر الحق الذي عرفه وكان يبشر به {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}(البقرة: ٨٩).
لقد كفروا بالنبي الذي كانوا ينتظرونه من بعد ما عرفوه معرفتهم بأبنائهم، وصدق الله العظيم في قوله:{الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}(الأنعام:٢٠).