للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[دلالة أخلاقه وأحواله - صلى الله عليه وسلم - على نبوته]

ومن دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - كرم أخلاقه وجميل صفاته، فمثل هذه الكمالات إنما هي بعض منحة الله له، وهي دليل يقنع العقلاء على نبوته - صلى الله عليه وسلم -، فما كان لهذه الأخلاق أن تكون لدعي يفتري على الله الكذب.

قال ابن تيمية: "ودلائل صدق النبي الصادق وكذب المتنبي الكذاب كثيرة جداً، فإن من ادعى النبوة وكان صادقاً؛ فهو من أفضل خلق الله وأكملهم في العلم والدين، فإنه لا أحد أفضل من رسل الله وأنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه ...

وإن كان المدعي للنبوة كاذباً فهو من أكفر خلق الله وشرهم .. ولما كان هذا من أعلى الدرجات وهذا من أسفل الدركات؛ كان بينهما من الفروق والدلائل والبراهين التي تدل على صدق أحدها وكذب الآخر ما يظهر لكل من عرف حالهما، ولهذا كانت دلائل الأنبياء وأعلامهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة، كما أن دلائل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة". (١)

وبهذا النوع من الدلائل آمن الرهط الأول من المسلمين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تظهر على يديه معجزاته الباهرة، فأول أهل الأرض إيماناً به خديجة رضي الله عنها، استدلت لنبوة زوجها بما عرفته من كمال أخلاقه، وعظيمِ خلاله، فقالت له وقد رجع إليها من غار حراء خائفاً: (كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق). (٢) فجعلت - رضي الله عنها - من كريم خِلاله دليلاً على صدقه ونبوته.

يكفيه في ذلك وصفُ ربهِ له {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم: ٥).

وكثير من العقلاء رأوا في أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - دليلاً كافياً على نبوته، من هؤلاء هرقل ملك الروم الذي بلغه أمرُ النبي، فسأل أبا سفيان - وهو يومئذ على الكفر- عن صفاته وأخلاقه.


(١) الجواب الصحيح (١/ ١٢٧ - ١٢٩).
(٢) رواه البخاري ح (٤)، ومسلم ح (١٦٠).

<<  <   >  >>