للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حلم النبي - صلى الله عليه وسلم -]

ومن عظيم أخلاقه وجميل خلاله - صلى الله عليه وسلم -؛ عفوه عمن ظلمه، وحِلمه على من جهل عليه، وذلك أن لا حظَّ لنفسه في نفسه. ((وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)). (١)

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً. كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ((ما له؟ ترِبَ جبينُه)). (٢)

ولما سئلت أمُ المؤمنين عائشةُ عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قالت: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئةَ، ولكن يعفو ويصفح). (٣)

وهذه الصفة من صفاته - صلى الله عليه وسلم - مذكورة في الكتب قبل الإسلام، ففي البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن .. ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح بها أعيُناً عُمياً، وآذاناً صُماً، وقُلوباً غُلفاً). (٤)

وقد صدق - رضي الله عنه -، ففي السفر المنسوب إلى النبي إشعيا: " هوذا عبدي الذي أَعضُده، مختاري الذي سُرّت به نفسي، وضعتُ روحي عليه، فيخرج الحق للأمم، لا يصيح، ولا يَرفع ولا يُسمع في الشارع صوتُه، قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ، إلى الأمان يخرج الحق، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته، هكذا يقول الله الرب خالق السموات " (إشعيا ٤٢/ ١ - ٤)

ومن عفوه - صلى الله عليه وسلم - وحِلمه أنه في يوم حنين لما أجزل العطاء لضعاف الإيمان يتألف قلوبهم للإسلام؛ قال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله! يتهم رسول الله بالظلم والحيف.


(١) رواه البخاري ح (٣٢٩٦)، ومسلم ح (٤٢٩٤).
(٢) رواه البخاري ح (٦٠٣١).
(٣) رواه الترمذي ح (٢٠١٦)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (٥٨٢٠).
(٤) رواه البخاري ح (٢١٢٥).

<<  <   >  >>