للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إخباره - صلى الله عليه وسلم - بالغيوب المستقبلة التي تحققت بعد وفاته]

ولئن دلت الغيوب التي ذكرناها قبل على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ما بين أيدينا من الغيوب أعظم دلالة، إذ سنتناول ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - وتحقق بعد موته - صلى الله عليه وسلم -، فكان أيضاً برهاناً صادقاً على نبوته - صلى الله عليه وسلم -.

وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً خطيباً بين أصحابه، ولنسمع إلى حذيفة وهو يقص علينا الخبر.

يقول حذيفة: "خطب خطبة، ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علِمه من علِمه، وجهِله من جهِله"، يقول حذيفة: (إنْ كنت لأرى الشيء قد نسيتُ، فأعرِف ما يعرِف الرجل إذا غاب عنه، فرآه فعرَفه). (١)

قال ابن حجر: "دل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتُدئت إلى أن تفنى، إلى أن تُبعث , فشمل ذلك الإخبارَ عن المبدأ والمعاش والمعاد , في تيسير إيراد ذلك كلِّه في مجلس واحد من خوارق العادة أمرٌ عظيم , ويقْرَب ذلك - مع كون معجزاته لا مرية في كثرتها - أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطي جوامع الكلم". (٢)

وهذا الذي رواه حذيفة مجملاً؛ فصّله عمرو بن أخطب الأنصاري - رضي الله عنه -، فقال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطَبَنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، فأعلمُنا أحفظُنا). (٣)

قال القاضي عياض: " من ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون، والأحاديث في هذا الباب بحر لا يُدرك قعره، ولا ينزَف غمْرُه، وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع، الواصلِ إلينا خبرها على التواتر، لكثرة رواتها واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب". (٤)


(١) رواه البخاري ح (٦٦٠٤)، ومسلم ح (٢٨٩١).
(٢) فتح الباري (٦/ ٣٣٦).
(٣) رواه مسلم ح (٢٨٩٢).
(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (١/ ٣٣٥ - ٣٣٦).

<<  <   >  >>