للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الغيوب الباهرة التي كشفت لنبينا - صلى الله عليه وسلم - خبر أم حرام بنت ملحان، فقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا)).

قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: ((أنتِ فيهم)).

ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم)).

فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: ((لا)). (١)

قال ابن حجر: " وفيه ضروب من إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بما سيقع، فوقع كما قال , وذلك معدود من علامات نبوته: منها إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحابُ قوةٍ وشوكة ونِكاية في العدو, وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر, وأن أمَّ حرام تعيش إلى ذلك الزمان, وأنها تكون مع من يغزو البحر, وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية ". (٢)

وفي حديث يرويه الشيخان أنه - صلى الله عليه وسلم - نام يوماً في بيتها، ثم استيقظ وهو يضحك، فسألَتْه: ما يضحكك يا رسولَ الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرضوا عليّ غُزاة في سبيل الله، يركبون ثبج [ظهر] هذا البحر، مُلوكاً على الأَسِرّة، أو مثل الملوك على الأَسرّة)).

قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها.

ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فسألته أم حرام: ما يضحكُك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عُرِضوا عليّ غُزاة في سبيل الله)) فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنت من الأولين)).

فركبت أمُّ حرامٍ بنتِ مِلحانٍ البحرَ في زمن معاوية - رضي الله عنه -، فصُرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. (٣)

وقد نقل الطبراني وغيره أن قبرها معروف في جزيرة قبرص. (٤)

فمن الذي أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يكون بعده؟ من الذي أعلمه بأن أمته سوف تغزو البحر من بعده، وأن أم حرام بنت ملحان ستعيش حتى تدرك هذا الغزو، فتشارك فيه؟


(١) رواه البخاري ح (٢٩٢٤).
(٢) فتح الباري (١١/ ٨٠).
(٣) رواه البخاري ح (٢٧٨٩)، ومسلم ح (١٩١٢).
(٤) ذكره الطبراني في الكبير ح (٣١٦)، وأبو نعيم في الحلية ح (٢/ ٦٢).

<<  <   >  >>