[إخباره - صلى الله عليه وسلم - بغيوب تحققت في حياته]
الغيب سر الله، فهو وحده تبارك وتعالى الذي يعلم السر وأخفى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ}(الأنعام: ٥٩).
والنبي - صلى الله عليه وسلم - كسائر البشر لا يعلم الغيب {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملكٌ}(الأنعام: ٥٠)، {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون}(الأعراف: ١٨٨).
فإذا ما أخبر النبي عن شيء من الغيوب؛ فإنما يخبر بشيء من علم الله الذي خصه به وأطلعه عليه، ليكون برهان نبوته ودليل رسالته.
ولقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن زهاء ألف أمر غيبي، بعضها في القرآن، وبعضها في السنة، وكل منها دليل على نبوته ورسالته.
والغيوب التي أخبر بها - صلى الله عليه وسلم - على ضروب، فمنها ما تحقق حال حياته - صلى الله عليه وسلم -، ومنها بعده، ومنها ما يكون قريباً من الساعة، وفي كل ذلك دلائل على نبوته ورسالته.
ومن الغيوب التي تنبأ بها - صلى الله عليه وسلم - ووقعت حال حياته خبر الريح التي تنبأ - صلى الله عليه وسلم - بهبوبها وهو منطلق وأصحابُه إلى تبوك فقال:((ستهبُّ عليكم الليلة ريحٌ شديدة، فلا يقُمْ فيها أحدٌ منكم، فمن كان له بعيرٌ فليشُدَّ عِقاله)).
قال أبو حميد - رضي الله عنه - راوي الحديث: فهبَّت ريحٌ شديدة، فقام رجلٌ، فحملته الريح، فألقته بجبلي طيء. (١) فمن الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهبوب هذه الريح في زمن ما كان الناس يقدرون على التنبؤ بالطقس وحركات الرياح؟ إنه الله الذي لا تغيب عنه غائبة.
قال النووي: "هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة؛ من إخبارِه عليه الصلاة والسلام بالمغيَّب، وخوفِ الضرر من القيام وقت الريح .. وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من