للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الباجي: " وهذا من أعلام نبوته الواضحة: أن يعلم بالأشياء على وجهها قبل أن تكون ثم تكون على حسب ذلك لا تخرم عنه ويتكرر ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - تكراراً يوجد في أكثر الأحوال، وكل من يتعاطى تكهناً بتنجيم أو غيره فإن الأغلب عليه الخطأ وإن أصاب في بعض الأشياء على ما يفعل الظان والمخمن والحازر". (١)

وبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبوك؛ أنبأ أصحابه بوقوع ستة أحداث مهمة، رتب وقوعها فقال لعوف بن مالك: ((اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتحُ بيت المقدس، ثم مُوتانٌ يأخذُ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنةٌ لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدِرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غايةٍ اثنا عشر ألفاً)). (٢)

وفي هذا الحديث يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداثاً ستة يرتبها، أولها: موتُه - صلى الله عليه وسلم -، ثم فتحُ بيت المقدس، وقد كان ذلك في العام الخامس عشرَ من الهجرة، ثم موت عظيم يصيب الصحابة، وتحقق ذلك في طاعون عِمواس في السنة الثامنةِ عشرة للهجرة، ثم استفاضةُ المال حين كثرت الأموال زمن الفتوح في عهد عثمان، ثم الفتنةُ التي تصيب العرب، وقد وقعت زمن فتنة قتل عثمان - رضي الله عنه - التي كانت بوابة للفتن التي ما تركت بيتاً إلا ودخلته.

وأما العلامة الأخيرة، وهي الهدنة ثم الحرب مع بني الأصفر- وهم الروم - فقد اتفق العلماء على أنها لم تقع، وأن ذلك يكون في فتن وملاحم آخر الزمان.

قال ابن حجر: " وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرُها". (٣)

ولو شئنا الحديث عن الحدث الرابع منها؛ فإنا نذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يُهِمَّ ربَ المال من يقبلُ صدقَتَه، وحتى يعرِضَه فيقولَ الذي يَعرِضُه عليه: لا أَرَب لي)). (٤)

قال ابن حجر: "في هذا الحديث إشارة إلى ثلاثة أحوال:


(١) المنتقى شرح الموطأ (١/ ٤٢٠).
(٢) رواه البخاري ح (٣١٧٦).
(٣) فتح الباري (٦/ ٣٢١).
(٤) رواه البخاري ح (١٤١٢)، ومسلم ح (١٥٧).

<<  <   >  >>