للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى: إلى كثرة المال فقط، وقد كان ذلك في زمن الصحابة، ومن ثَم قيل فيه: ((يكثر فيكم)) ..

الحالة الثانية: الإشارة إلى فيضه من الكثرة، بحيث أن يحصل استغناء كلُّ أحدٍ عن أخذ مالِ غيرِه, وكان ذلك في آخر عصر الصحابة وأولِ عصر مَن بعدَهم، ومن ثَم قيل: ((يُهِمَّ ربَ المال))، وذلك ينطبق على ما وقع في زمن عمرَ بنِ عبد العزيز.

الحالة الثالثة: فيه الإشارة إلى فيضه وحصول الاستغناء لكل أحد، حتى يهتم صاحب المال بكونه لا يجد من يَقبل صدقته، ويزداد [أي الهمُّ] بأنه يعرضه على غيره؛ ولو كان ممن لا يستحق الصدقة، فيأبى أخذَه، فيقول: لا حاجة لي فيه، وهذا في زمن عيسى عليه السلام". (١) أي بعد نزوله.

ومما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - من المغيبات - التي أطلعه الله عليها لتكون برهان نبوته - قدومُ أُويس القَرَني من اليمن، وقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بعضَ صفته وأحواله، فقال: ((إن رجلاً يأتيكم من اليمن، يقال له: أُويس، لا يدع باليمن غيرَ أمٍ له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه؛ إلا موضعَ الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم)). (٢)

وقد كان كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فقد أقبل أهل اليمن زمن عمر؛ فجعل يستقري الرفاق، فيقول: هل فيكم أحد من قَرَن؟ حتى أتى على قرن، فقال: من أنتم؟ قالوا: قَرَن.

قال: فوقع زِمامُ عمر - رضي الله عنه - أو زِمام أويس، فناوله أحدهما الآخر، فعرفه.

فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويس.

فقال: هل لك والدة؟ قال: نعم.

قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوتُ اللهَ عز وجل فأذهبَه عني إلا موضعَ الدِرهم من سُرَّتي لأذكر به ربي.

فقال له عمر - رضي الله عنه -: استغفر لي. قال: أنتَ أحقُّ أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) فتح الباري (١٣/ ٩٣ - ٩٤).
(٢) رواه مسلم ح (٢٥٤٢).

<<  <   >  >>