للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو تأملنا قوله تعالى: {غلبت الروم - في أدنى الأرض} فإن أعيننا لن تخطئ برهاناً آخر من براهين نبوته - صلى الله عليه وسلم -، فقوله تعالى: {في أدنى الأرض} يشير إلى حقيقة علمية كشف عنها العلم الحديث، وهي أن البقعة التي انتصر فيها الفرس على الروم في منطقة الأغوار قريباً من البحر الميت هي أدنى الأرض، أي أخفض مكان في الأرض كما تؤكده الموسوعة البريطانية وغيرها (١)، إنه بعض علم اللطيف الخبير.

ومما أطلع الله نبيه عليه من الغيوب التي لا يعرفها لولا إخبار الله له؛ خبر كتاب حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - الذي أرسله إلى قريش مع امرأة، يخبرهم فيه بعزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على غزو مكة.

فلما كشف الله ذلك لنبيه؛ بعث علياً والزبيرَ والمقدادَ بنَ الأسود، وقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب، فخذوه منها))، يقول علي - رضي الله عنه -: فانطلقنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. (٢)

قال ابن حجر: "وفيه من أعلام النبوة إطلاعُ الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة". (٣)

ومثله من الإخبار المعجِز نعْيُه لقادة مؤتة الثلاثة - وقد استشهدوا في الشام - وهو في المدينة، يقول أنس - رضي الله عنه -: نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - زيداً وجعفراً وابنَ رواحة للناس قبل أن يأتيَهم خبرُهم، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان؛ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم)). (٤)

فالذي أعلم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بمقتلهم قبل أن يأتي خبرهم إلى الناس هو الله علام الغيوب، قال الطحاوي: "وفيه عَلَمٌ ظاهر من أعلام النبوة". (٥)


(١) يعتبر منخفض بحيرة طبريا ثاني أكبر المنخفضات في العالم، حيث تنخفض فيه اليابسة إلى ٢٠٩ م تحت سطح البحر، بينما هي في منطقة البحر الميت تصل إلى ٣٩٥ م تحت سطح البحر. انظر: أطلس العالم، مكتبة بيروت (ص ٩٥) نقلاً عن كتاب "إنه الحق" الذي أصدرته هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي (ص ٧٩).
(٢) رواه البخاري ح (٣٠٠٧)، ومسلم ح (٢٤٩٤).
(٣) فتح الباري (١٢/ ٣٢٤).
(٤) رواه البخاري ح (٣٩٢٩).
(٥) عمدة القاري (١٧/ ٢٦٩).

<<  <   >  >>