وقد ضيق الأشاعرة على أنفسهم بهذا التأصيل فرارًا من القول بوجوب شيء على الله، كما تقول المعتزلة، الذين جعلوا النبوة من القسم الأول، وفرارًا من القول باستحالة إرسال الرسل - كما يدعي منكرو النبوات من ملاحدة الفلاسفة ونحوهم - الذين يجعلونها من القسم الثاني.
ومن لوازم هذا التقسيم عند الأشاعرة: أن كل ما هو داخلٌ في دائرة الجواز والإمكان، فهو راجعٌ إلى محض المشيئة مجردةٌ عن أي حكمة أو تعليل، حتى التزموا القول بأنه ليس في القرآن كله (لام تعليل)، ويسمون أصلهم هذا (تنزيه الإله عن الغرض في أفعاله).
فأنكروا أن يكون لأفعاله تعالى - ومنها إرسال الرسل - حكمةٌ أو غرضٌ أراد الله تعالى تحقيقه بهذا الفعل، بل الأمر كله راجعٌ إلى المشيئة المحضة، فهو تعالى - حسب تعبيرهم - (يفعل لا لشيء).
ولا شك أن كل أفعاله تعالى راجعةٌ إلى مشيئته، ولكن تعلُّق المشيئة بأي أمرٍ لا ينفي تعلق غيرها من صفاته به؛ كالحكمة والرحمة.
والمهم: أن القضية من أصلها ليست قضية عقلية تجريدية تخضع لهذا التقسيم البدعي، فما المانع - عقلًا - أن تكون القسمة رباعية، أو خماسية، أو أكثر؟!.
هذا الأصل الفاسد المركب أضعَفَ قضية إثبات النبوة عند