هذا مثال آخر لتوسعهم في العقل المزعوم، وإلا فلَيْتَهم تركوا حقيقة الإيمان من (السمعيات)، فهي ليست قضية عقلية؛ لأن موضوعها نقلي بحت.
ألا ترى أن الشرع لو علق الكفر بارتكاب الزنا، لكان ذلك كفرًا، ولو تعبّد الناس بالسجود لغير الله لكان ذلك إيمانًا، ومع هذا فقد أقحموها في مجال البحث العقلي، وخاضوا فيها خوضًا فلسفيًّا، مع أن الفلاسفة أنفسهم لا يبحثونها.
يحسب بعض الخاصة - فضلًا عن العامة - أن الأشاعرة موافقون لأهل السنة والجماعة في الإيمان والعقائد، ولكن الذي يطّلع على أي كتاب من كتب الأشاعرة، أو كتب أهل السنة والجماعة؛ يتبين له حقيقة مذهبهم بجلاء.
فالأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية (١)، هذا هو صريح مذهبهم في مصنفاتهم، وعليه نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في معظم كتبه، لا سيما كتاب (الإيمان) الذي أطال فيه في الرد عليهم، حتى أن حوالي
(١) مذهب جهم أن الإيمان هو المعرفة بالقلب، ومذهب الأشاعرة أن الإيمان هو التصديق المجرد بالقلب، فحقيقة المذهبين واحدة، وهي الاكتفاء بقول القلب دون عمله، ولا فرق بين أن يسمى معرفة أو تصديقًا. والكرامية جعلوه قول اللسان وحده، أما السلف فهو عندهم قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح، لكنه يزيد وينقص، ويتفاضل أهله فيه.