من البدهيات في التصور الإسلامي - وهو الذي عليه عقيدة السلف - أن أول ما بجب على المكلف: هو توحيد الله عز وجل وعبادته وحده، كما تضمنته كلمة التوحيد (شهادة أن لا إله إلا الله)، وهذه المعاني انتظمتها روايات حديث معاذ رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم: إلى أهل الكتاب باليمن، وبيَّن له أول ما يدعوهم إليه؛ ففي رواية:(أن يوحدوا الله)، وفي أخرى:(عبادة الله)، وفي ثالثة:(أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)(١).
على أن أولية هذه القضية لا تختص بالابتداء بها قبل كل قضية، بل تعني ما هو أهم، وهو أنها أهم وآكد القضايا.
أما وجوده سبحانه وتعالى وأنه خالق الكون؛ فأمر فطري ضروري مركوز في النفوس البشرية جيعها، وإن كابر فيه من كابر.
هذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة.
أما الأشاعرة فإن مذهبهم هو عين مذهب المعتزلة المتابعين لأسلافهم من الفلاسفة المثبتين، الذين جعلوا غاية الإيمان ومحصِّله هو (العلم بحدوث العالم وقدم الصانع).
ولما كانت وسيلة هذا العلم عندهم هي العقل وحده فقد دخلوا في متاهة فلسفية، من جهة أن أول ما يتوقف عليه حصول هذا العلم
(١) الروايات جميعها صحيحة. انظر الفتح ((٣) / (٣٥٧)، ٣٦١) (١٣/ (٣٤٧)).