على ضوء المبحث السابق نستطيع أن نبين لماذا انتهج الأشاعرة منهج التأويل حتى أصبح أصلًا كبيرًا من أصول مذهبهم، ليس في الصفات فحسب؛ بل في نصوص الإيمان، والوعد والوعيد، وعصمة الأنبياء، والقدر، وفي كل نصٍّ خالف ما قرروه من عقائدهم، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله عند تفصيل أصولهم الاعتقادية.
ذلك أن إيمانهم بمسألة تعارض العقل والنقل - مع التزامهم بالتوفيقية المضطربة بين السلف والمعتزلة - كان لابد أن يفضي بهم إلى البحث عن مهرب عقلي يقيهم الوقوع في إحدى مصيبتين:
(١) - إما التمسك بنصوص الوحي.
وهذا يناقض أصولهم، وبجعلهم جزءًا من الحشوية (كما يسمون أهل السنة). وهذا عندهم بعيدٌ، بل محال.
(٢) - وإما أن يحكِّموا العقل مطلقًا، ويعودوا إلى أصلهم الاعتزالي الفلسفي.
وفي هذا إلغاءٌ لأصل وجودهم؛ لأنهم إنما ظهروا على أنهم فرقة منشقة من المعتزلة، ثم هم يختلفون فعلًا مع المعتزلة في أصولٍ كثيرةٍ، بعضها يتعلق بتحديد دائرتي العقل والنقل.
يضاف إلى ذلك أن بعض كبارهم لهم صلةٌ بالحديث النبوي، فمن
(١) المقصود هنا بحث هذا الموضوع من جهة علاقته بمصدر التلقي فقط.