للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكشف والذوق والإلهام]

لم يكتف الأشاعرة بتحكيم العقل في النص، بل حكَّموا معيارًا آخر، كان لتحكيمه أسبابٌ خاصة، وهو معيار الكشف والذوق والإلهام والفيض.

ذلك أن دعاة البدعة والضلال لما أعرضوا عن التمسك بالوحي، وجعلوا نصوصه غرضًا لسهامهم، وتناولوها على مشرحة النقد والأخذ والرد، كان لا بد أن يتلقوا عن غير الله ورسوله من مصادر التلقي الأخرى، فظهر تباين نزعاتهم بحسب تباين مشاربهم الفكرية، فالذين أخذوا عن اليونان والصابئة - وهم الأكثرون - حكموا العقل، وإن أردت الصحة فقل: حكموا التخرصات والظنون والآراء.

والذين نقلوا عن البراهمة والمجوس والنصارى حكموا الكشف والذوق، وإن شئت فقل: أضغاث الأحلام، وهوس المخبولين (١).

لقد كانت مصيبة كبرى تلك التي جاء بها المتصوفة حينما فتحوا مصدرا جديدًا للتلقي بقاعدة (حدثني قلبي عن ربي)، وهاجموا أشد ما هاجموا أهل الحديث والأثر - رمز التمسك بالوحي - قائلين: أخذتم علمكم ميتًا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، يقول أمثالنا: حدثني قلبي عن ربي. وأنتم تقولون: حدثني فلان (وأين هو؟


(١) ليس هذا مبالغة، فقد نسبها ابن الجوزي إلى (الماليخوليا) أي: هستريا الأعصاب بلغة عصرنا. انظر الفصل الخاص بهم من تلبيس إبليس.

<<  <   >  >>