لما كان منهج الوحي فذًّا في تكامله، فريدًا في تناسقه، جامعًا لكل صواب، خاليًا من كل خطأ، أمكن لأصحابه أن يقفوا في وجه كل فكر بشري دون أن يخسروا موقعًا واحدًا من مواقعهم، بل إنه كلما هجم الخصم على جانب منه أظهر الله سبحانه وتعالى على أيدي أتباعه من البراهين والحجج ما يظهر به من الحِكَم والمحاسن ما كان خافيًا قبل الهجوم، فالقادح فيه إنما يقدح في صخرة نورانية عاتية، لا يرتد عليه قدحه إلا نورًا يُعشِي بصره، وينير الطريق للمدافع.
أما المناهج البدعية فإنها بتطبيقها لا تحاول تحقيق مصلحة للدين إلا وتجلب ما قد يكون أضعافها من المفاسد، وهي لفساد المنهج تفتح على دينها من الإلزامات ما يضطرها للتراجع والتمحل، فيحسب أعداء الإسلام أن الإسلام هو المتراجع المهزوم، وكفى ذلك شرًّا وشؤمًا.
وهذا ما حصل بعينه من الأشاعرة والتأويل.
ومن أراد التأكد من هذه الحقيقة فلينظر إلى ما تعرضت له الأمة في عصر ضعف الخلافة العباسية المركزية من تمزق ودمار، حيث سقطت هيبة المسلمين، واستشرت الأدواء الفكرية الخبيثة، والحركات السرية الهدامة، وتعرض سلاطين المسلمين للاغتيال وهم في أسرَّتهم ... إلى غير ذلك من الظواهر المفجعة التي تمتلئ بها كتب