إن موضوع مصدر التلقي لهو من أهم وأخطر القضايا الاعتقادية، بل هو بمنزلة الأساس الذي تقوم عليه سائر الاعتقادات، والأصل الذي تتفرع عنه سائر المناظرات.
وأهل السنة والجماعة فى هذه القضية على المنهاج الواضح، والمحجة البيضاء، وهي أن مصدر العلم عن الله، وما يتفرع عنه من أنواع التعبدات جميعها إنما هو الوحي، ومن خلال الوحي نعلم قيمة العقل ومهمته ومجاله، ألا وهي الاجتهاد فى فهم النصوص وكيفية العمل بها، لا في قبولها أو ردها، فهو الآلة التي وهبنا الله إياها لنسير بها على هدى وحيه العصوم (١)، وما كان للآلة أن تتعارض مع المنهج ولا أن تعترض عليه؛ لأن التعارض اتهامٌ لمن أنزل الوحي وخلق الآلة، والاعتراض متردٌ على الربوبية، وإنكارٌ للعبودية.
وقد سارت القرون المفضلة على هذه القاعدة البلجاء، فنالت قمة المجد والسعادة فى الدارين، فلما أطلّت الفتن والبدع برأسها، ثم تمكنت من التوغل فى عقول السلاطين فى عصر المأمون إلى المتوكل دارت أكبر معركة فكرية فى التاريخ الإسلامي، وكان موضوعها هو هذه القضية الكبرى (أيهما نقدم: النقل والاتباع، أم العقل والابتداع؟).
وهو الموضوع الذي تمثل فى أعظم مظاهره فى مسألة (القول بخلق
(١) ومن رحمة الله أن من سلبه الآلة لم يطالبه التكليف.